9 مصاحف

 

الخميس، 30 أبريل 2020

وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون



الجمعة، 10 أبريل 2020
وكيف أخاف ما أشركتم  ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا
فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون
واللَّبْس بالفتح مصدر قولك لَبَسْت عليه الأَمر أَلْبِسُ خَلَطْت واللِّباسُ ما يُلْبَس (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون))
واللبس هو الإختلاط ليكونا مزيجا بين الأصل والدخيل عليه تفقد فيه صفات كل منهما ويتكون بالمزج هذا مادة جديدة لا تمت للأصل بشيئ ولا ترجع المادة لأصلها إلا إذا زال الدخيل عليها من محيط تواجدها وليس يقدر علي ذلك الفصل النقي في مخلوطات الإسلام والظلم أو الشرك إلا شيئا واحدا لا شبيه له ولا بديل هو ((((التوبــــــــــــــــــة))) هكذا أشار رسول الله صلي الله عليه وسلم بقوله :

في الصحيحين عن ابن مسعود : لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم 

والمعني المراد بيانه هو أن ظلمهم لخلوه من التوبة هو طاعة غير الله فهو  الشرك        وظلمكم لأنه ممحو دائما بالتوبة فهو خارج محيط الشرك  لذلك قال الله (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)

وتأكيدا لذلك جاء في لسان العرب معني اللبس  اللُّبْسُ بالضم مصدر قولك لَبِسْتُ الثوبَ أَلْبَس واللَّبْس بالفتح مصدر قولك لَبَسْت عليه الأَمر أَلْبِسُ خَلَطْت واللِّباسُ ما يُلْبَس 
أما اللَّبْسُ بمعني اختلاط الأمر علي العبد قال  واللَّبَسُ اختلاط الأَمر لبَسَ عليه الأَمرَ يَلْبِسُه لَبْساً فالْتَبَسَ إِذا خَلَطَه عليه حتى لا يعرِف جِهَتَه وفي المَوْلَدِ والمَبْعَثِ فجاء المَلَكُ فشقَّ عن قلبه قال فَخِفْتْ أَن يكون قد الْتُبِسَ بي أَي خُولِطْت في عَقْلي من قولك في رَأْيهِ لَبْسٌ أَي اختلاطٌ ويقال للمجنون مُخالَط والْتَبَسَ عليه الأَمر أَي اختلَطَ واشْتَبَه والتَّلْبيسُ كالتَّدْليس والتَّخليط شُدِّد للمبالغة ورجل لَبَّاسٌ ولا تقل مُلَبَّس وفي حديث جابر لما نزل قوله تعالى أَو يُلْبِسَكُم شِيَعاً اللَّبْس الخلْط يقال لَبَسْت الأَمر بالفتح أَلْبِسُه إِذا خَلَطت بعضه ببعض أَي يَجْعَلكم فِرَقاً مختلفين ومنه الحديث فَلَبَسَ عليه صَلاتَه والحديث الآخر من لَبَسَ على نفسه لَبْساً كلُّه بالتخفيف قال وربما شدد للتكثير ومنه حديث ابن صيّاد فَلَبَسَني أَي جَعَلني أَلْتَبِسُ في أَمره والحديث الآخر لَبَسَ عليه وتَلَبَّس بيَ الأَمرُ اختلط وتعلق أَنشد أَبو حنيفة تَلَبَّسَ حُبُّها بَدَمي ولَحْمِي تَلَبُّسَ عِطْفَةٍ بفُرُوعِ ضالِ وتَلَبَّسَ بالأَمر وبالثَّوْب ولابَسْتُ الأَمرَ خالَطْتُه وفيه لُبْسٌ ولُبْسَةٌ أَي التِباسٌ وفي التنزيل العزيز وللبَسْنا عليهم ما يَلْبِسُون يقال لَبَسْت الأَمر على القوم أَلْبِسُه لَبْساً إِذا شَبَّهْتَه عليهم وجَعَلتَه مُشْكِلاً وكان رؤساء الكفار يَلْبِسُون على ضَعَفَتهم في أَمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا هَلاَّ أُنزل إِلينا مَلَك ؟ قال اللَّه تعالى ولو أَنزَلْنا مَلَكاً فرأَوْه يعني المَلَك رجُلاً لكان يَلْحَقهم فيه من اللَّيْس مثل ما لحق ضَعَفَتَهُم منه ومن أَمثالهم أَعْرَضَ ثَوْبُ المُلْتَبِس إِذا سأَلتَه عن أَمر فلم يُبَيِّنْهُ لك وفي التهذيب أَعْرَضَ ثَوْبُ المُلْبِسِ يُضرَب هذا المَثَل لِمَن اتَّسَعت فِرْقَتُه أَي كثر من يَتَّهِمُه فيما سَرَقه والمِلْبَس الذي يلبسُك ويُجلِّلك والمِلْبَسُ الليل بعَيْنه كما تقول إِزارٌ ومِئْزًرٌ ولِحافٌ ومِلْحَفٌ ومن قال المَلْبَس أَراد ثَوْب اللُّبْس كما قال وبَعْدَ المَشِيبِ طُول عُمْرٍ ومَلْبَسَا وروي عن الأَصمعي في تفسير هذا المثل قال ويقال ذلك للرجل يقال له ممن أَنت ؟ فيقول من مُضَر أَو من رَبيعَة أَو من اليَمَن أَي عَمَمْت ولم تخصَّ واللَّبْسُ اختِلاطُ الظلام وفي الحديث لُبْسَةٌ بالضم أَي شُبْهَةٌ ليس بواضح وفي الحديث فيَأْكلُ فما يَتَلَبَّسُ بِيَدِه طَعام أَي لا يَلْزَق به لنظافة أَكله ومنه الحديث ذهب ولم يَتَلَبَّسْ منها بشيء يعني من الدنيا وفي كلامه لَبُوسة ولُبُوسَة أَي أَنه مُلْتَبِس عن اللحياني ولَبَّسَ الشيءُ الْتَبَسَ وهو من باب قد بَيَّنَ الصبحُ لِذِي عَينَيْن ولابَسَ الرجلُ الأَمر خالطَه ولابَسْتَ فلاناً عَرَفت باطنَه وما في فلان مَلبَس أَي مُسْتَمْتَع ورجل البِيسٌ أَحمق الليث اللَّبَسَة بَقْلة قال الأَزهري لا أَعرف اللَّبَسَة في البُقُول ولم أَسمع بها لغير الليث
......................................................................
وفي معجم لسان العرب لابن منظور اللُّبْسُ بالضم مصدر قولك لَبِسْتُ الثوبَ أَلْبَس 
أما اللَّبْس بالفتح مصدر قولك لَبَسْت عليه الأَمر أَلْبِسُ خَلَطْت واللِّباسُ ما يُلْبَس 
وكذلك المَلْبَس واللِّبْسُ بالكسر مثلُه ابن سيده لَبِسَ الثوب يَلْبَسُه لُبْساً وأَلْبَسَه إِياه وأَلْبَس عليك ثوبَك وثوب لَبِيس إِذا كثر لُبْسُه وقيل قد لُبِسَ فأَخْلَق وكذلك مِلْحَفَة لَبِيسٌ بغير هاء والجمع لُبُسٌ وكذلك المزادة وجمعها لَبائِس قال الكميت يصف الثور والكلاب تَعَهّدَها بالطَّعْنِ حتى كأَنما يَشُقُّ بِرَوْقَيْهِ المَزادَ اللَّبائِسا يعني التي قد استعملت حتى أَخْلَقَتْ فهو أَطوَعُ للشَّقِّ والخَرْق ودارٌ لَبِيسٌ على التشبيه بالثوْب الملبوس الخَلَق قال دارٌ لِلَيْلى خَلَقٌ لَبِيسُ ليس بها من أَهلها أَنيسُ وحَبْل لَبيسٌ مستعمَل عن أَبي حنيفة ورجل لَبِيسٌ ذو لِبَاسٍ على التَّشبيه حكاه سيبويه ولَبُوسٌ كثير اللِّباس واللَّبُوس ما يُلبس وأَنشد ابن السكيت لِبَيْهَس الفزاري وكان بَيْهس هذا قتل له ستة إِخوة هو سابعُهم لما أَغارَتْ عليهم أَشْجَع وإِنما تركوا بَيْهَساً لأَنه كان يحمُق فتركوه احْتِقاراً له ثم إِنه مرَّ يوماً على نِسْوَة من قومه وهنَّ يُصلِحْن امرأَة يُرِدْنَ أَن يُهْدِينَها لبعض من قَتَل إِخَوتَه فكشف ثوبه عن اسْتِه وغطَّى رأَسه فقلْنَ له وَيْلَك أَيَّ شيء تصنَع ؟ فقال الْبَسْ لِكُلِّ حَالَة لَبُوسَها إِمَّا نَعِيمَها وإِمَّا بُوسَهَا واللَّبُوس الثياب والسِّلاح مُذكَّر فإِن ذهبت به إِلى الدِّرْع أَنَّثْتَ وقال اللَّه تعالى وعلَّمناه صَنْعَة لَبُوس لكم قالوا هو الدِّرْعُ تُلبَس في الحروب ولِبْسُ الهَوْدج ما عليه من الثياب يقال كشَفْت عن الهَوْدج لِبْسَه وكذلك لِبْس الكعبة وهو ما علينا من اللِّباسِ قال حميد بن ثور يصف فرَساً خدمته جَواري الحيِّ فَلَما كَشَفْنَ اللِّبْسَ عنه مَسَحْنَهُ بأَطْرافِ طَفْلٍ زانَ غَيْلاً مُوَشَّما وإِنه لحسَنُ اللَّبْسَة واللِّباس واللِّبْسَةُ حالة من حالات اللُّبْس ولَبِستُ الثوب لَبْسَةً واحدة وفي الحديث أَنه نهى عن لِبْسَتَيْن هي بكسر اللام الهيئة والحالة وروي بالضم على المصدر قال الأَثير والأَوّل الوجه ولِباسُ النَّوْرِ أَكِمَّتُهُ ولِباسُ كل شيء غِشاؤُه ولِباس الرجل امرأَتُه وزوجُها لِباسُها وقوله تعالى في النساء هنَّ لِباسٌ لكم وأَنتم لِباسٌ لهنَّ أَي مثل اللِّباسِ قال الزجاج قد قيل فيه غيرُ ما قوْلٍ قيل المعنى تُعانِقونهنَّ ويُعانِقْنَكم وقيل كلُّ فَرِيقٍ منكم يَسْكُنُ إِلى صاحبه ويُلابِسُه كما قال تعالى وجَعَل منها زوجها ليَسْكُنْ إِليها والعرب تسَمِّي المرأَة لِباساً وإِزاراً قال الجعدي يصف امرأَة إِذا ما الضَّجِيعُ ثَنَى عِطْفَها تَثَنَّتْ فكانت عليه لِباسا ويقال لَبِسْت امرأَة أَي تمتَّعت بها زماناً ولَبِست قَوْماً أَي تملَّيْت بهم دهراً وقال الجعدي لَبِسْت أُناساً فأَفْنَيْتُهُمْ وأَفْنَيْتُ بعد أُناسٍ أُناسا ويقال لَبِسْت فلانة عُمْرِي أَي كانت معي شَبابي كلَّه وتَلَبَّسَ حُبُّ فلانة بَدَمِي ولَحْمِي أَي اختلط وقوله تعالى الذي جعل لكم الليل لِباساً أَي تَسْكُنُون فيه وهو مشتملٌ عليكم وقال أَبو إِسحق في قوله تعالى فأَذاقها اللَّه لِباسَ الجُوعِ والخَوْف جاعُوا حتى أَكلوا الوَبَرَ بالدَّمِ وبلغ منهم الجُوعُ الحالَ التي لا غاية بعدها فضُرِبَ اللِّباسُ لما نالهم مثلاً لاشتماله على لابِسِه ولِباسُ التَّقْوَى الحياءُ هكذا جاء في التفسير ويقال الغليظ الخشِنُ القصير وأُلْبِسَتِ الأَرض غطَّاها النَّبْتُ وأَلبَسْت الشيء بالأَلف إِذا غَطَّيْته يقال أَلْبَس السماءَ السحابُ إِذا غَطَّاها ويقال الحَرَّةُ الأَرض التي لَبِسَتها حجارة سُودٌ أَبو عمرو يقال للشيء إِذا غَطَّاه كلَّه أَلبَسَه ولا يكون لَبِسَه كقولهم أَلبَسَنا الليل وأَلْبَسَ السماءَ السحابُ ولا يكون لَبِسَنا الليل ولا لَبِس السماءَ السحابُ ويقال هذه أَرض أَلْبَسَتْها حجارة سود أَي غطَّتْها والدَّجْنُ أَن يُلْبِسَ الغيمُ السماء والمَلْبَسُ كاللِّباسِ وفي فلان مَلْبَسٌ أَي مُسْتَمْتَعٌ قال أَبو زيد يقال إَن في فلان لمَلْبَساً أَي ليس به كِبْرٌ ويقال كِبَرٌ ويقال ليس لفلان لَبِيسٌ أَي ليس له مثل
//////////////////////////////
وقال أَبو مالك هو من المُلابَسَة وهي المُخالَطة وجاء لابِساً أُذُنَيْه أَي مُتغافلاً وقد لَبِس له أُذُنَهُ عن ابن الأَعرابي وأَنشد لَبِسْتُ لِغالِبٍ أُذُنَيَّ حتَّى أَراد لقَوْمِه أَنْ يأْكُلُوني يقول تغافَلْت له حتى أَطمَعَ قومَه فيَّ واللَّبْسُ

واللَّبَسُ اختلاط الأَمر لبَسَ عليه الأَمرَ يَلْبِسُه لَبْساً فالْتَبَسَ إِذا خَلَطَه عليه حتى لا يعرِف جِهَتَه وفي المَوْلَدِ والمَبْعَثِ فجاء المَلَكُ فشقَّ عن قلبه قال فَخِفْتْ أَن يكون قد الْتُبِسَ بي أَي خُولِطْت في عَقْلي من قولك في رَأْيهِ لَبْسٌ أَي اختلاطٌ ويقال للمجنون مُخالَط والْتَبَسَ عليه الأَمر أَي اختلَطَ واشْتَبَه والتَّلْبيسُ كالتَّدْليس والتَّخليط شُدِّد للمبالغة ورجل لَبَّاسٌ ولا تقل مُلَبَّس وفي حديث جابر لما نزل قوله تعالى أَو يُلْبِسَكُم شِيَعاً اللَّبْس الخلْط يقال لَبَسْت الأَمر بالفتح أَلْبِسُه إِذا خَلَطت بعضه ببعض أَي يَجْعَلكم فِرَقاً مختلفين ومنه الحديث فَلَبَسَ عليه صَلاتَه والحديث الآخر من لَبَسَ على نفسه لَبْساً كلُّه بالتخفيف قال وربما شدد للتكثير ومنه حديث ابن صيّاد فَلَبَسَني أَي جَعَلني أَلْتَبِسُ في أَمره والحديث الآخر لَبَسَ عليه وتَلَبَّس بيَ الأَمرُ اختلط وتعلق أَنشد أَبو حنيفة تَلَبَّسَ حُبُّها بَدَمي ولَحْمِي تَلَبُّسَ عِطْفَةٍ بفُرُوعِ ضالِ وتَلَبَّسَ بالأَمر وبالثَّوْب ولابَسْتُ الأَمرَ خالَطْتُه وفيه لُبْسٌ ولُبْسَةٌ أَي التِباسٌ وفي التنزيل العزيز وللبَسْنا عليهم ما يَلْبِسُون يقال لَبَسْت الأَمر على القوم أَلْبِسُه لَبْساً إِذا شَبَّهْتَه عليهم وجَعَلتَه مُشْكِلاً وكان رؤساء الكفار يَلْبِسُون على ضَعَفَتهم في أَمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا هَلاَّ أُنزل إِلينا مَلَك ؟ قال اللَّه تعالى ولو أَنزَلْنا مَلَكاً فرأَوْه يعني المَلَك رجُلاً لكان يَلْحَقهم فيه من اللَّيْس مثل ما لحق ضَعَفَتَهُم منه ومن أَمثالهم أَعْرَضَ ثَوْبُ المُلْتَبِس إِذا سأَلتَه عن أَمر فلم يُبَيِّنْهُ لك وفي التهذيب أَعْرَضَ ثَوْبُ المُلْبِسِ يُضرَب هذا المَثَل لِمَن اتَّسَعت فِرْقَتُه أَي كثر من يَتَّهِمُه فيما سَرَقه والمِلْبَس الذي يلبسُك ويُجلِّلك والمِلْبَسُ الليل بعَيْنه كما تقول إِزارٌ ومِئْزًرٌ ولِحافٌ ومِلْحَفٌ ومن قال المَلْبَس أَراد ثَوْب اللُّبْس كما قال وبَعْدَ المَشِيبِ طُول عُمْرٍ ومَلْبَسَا وروي عن الأَصمعي في تفسير هذا المثل قال ويقال ذلك للرجل يقال له ممن أَنت ؟ فيقول من مُضَر أَو من رَبيعَة أَو من اليَمَن أَي عَمَمْت ولم تخصَّ واللَّبْسُ اختِلاطُ الظلام وفي الحديث لُبْسَةٌ بالضم أَي شُبْهَةٌ ليس بواضح وفي الحديث فيَأْكلُ فما يَتَلَبَّسُ بِيَدِه طَعام أَي لا يَلْزَق به لنظافة أَكله ومنه الحديث ذهب ولم يَتَلَبَّسْ منها بشيء يعني من الدنيا وفي كلامه لَبُوسة ولُبُوسَة أَي أَنه مُلْتَبِس عن اللحياني ولَبَّسَ الشيءُ الْتَبَسَ وهو من باب قد بَيَّنَ الصبحُ لِذِي عَينَيْن ولابَسَ الرجلُ الأَمر خالطَه ولابَسْتَ فلاناً عَرَفت باطنَه وما في فلان مَلبَس أَي مُسْتَمْتَع ورجل البِيسٌ أَحمق الليث اللَّبَسَة بَقْلة قال الأَزهري لا أَعرف اللَّبَسَة في البُقُول ولم أَسمع بها لغير الليث

اللبس ااختلاط.png
وكيف أخاف ما أشركتم 
 ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا 
فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون 

الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون
 قلت المدون افترضت الآية لسياق الحوار أن المشركين يخوفون المؤمنين بآلهتهم  ولا يخافون من إلههم إله الكون وتساؤل النبي صلي الله عليه وسلم استنكاري لأن المؤمنين إذا وقع أحدهم في طاعة غير الله علي سبيل الخطأ سارعوا بالندم والتوبة بينما المشركون وهم قائمون علي الاشراك بالله وما دونه لا يثوبون لرشدهم ولا يتوبون لذلك ولأن المؤمنين دائما يتوبون فهم في أمن ولذلك هم مهتدون والفرق بين الفريقين أن المؤمنين يتوبون برغم مرورهم أحيانا متعددة في سبيل ظلم النفس بارتكابهم الخطأ لأنفسهم ولغيرهم وهي من طاعات غير الله ..بينما المشركون لا يتوبون ولا هم يستغفرون { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)سورة المائدة } 

 
فالفرق بين المؤمنين والمشركين هو التوبة الي الله والاستغفار لذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم ولقد جاءت نتيجة المقارنة بالاستحواذ علي الأمن بين الفريقين لصالح  فريق المؤمنين
لا لشيئ إلا لأنهم يتوبون دائما إلي الله ودائما يستغفرونه(أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)/المائدة )

والخلاصة قول رسول الله صلي الله عليه وسلم في الصحيحين عن ابن مسعود : لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم 

والمعني المراد بيانه هو أن ظلمهم لخلوه من التوبة هو طاعة غير الله فهو  الشرك        وظلمكم لأنه ممحو دائما بالتوبة فهو خارج محيط الشرك  لذلك قال الله (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)

وتأكيدا لذلك جاء في لسان العرب معني اللبس  اللُّبْسُ بالضم مصدر قولك لَبِسْتُ الثوبَ أَلْبَس واللَّبْس بالفتح مصدر قولك لَبَسْت عليه الأَمر أَلْبِسُ خَلَطْت واللِّباسُ ما يُلْبَس 
أما اللَّبْسُ بمعني اختلاط الأمر علي العبد قال  واللَّبَسُ اختلاط الأَمر لبَسَ عليه الأَمرَ يَلْبِسُه لَبْساً فالْتَبَسَ إِذا خَلَطَه عليه حتى لا يعرِف جِهَتَه وفي المَوْلَدِ والمَبْعَثِ فجاء المَلَكُ فشقَّ عن قلبه قال فَخِفْتْ أَن يكون قد الْتُبِسَ بي أَي خُولِطْت في عَقْلي من قولك في رَأْيهِ لَبْسٌ أَي اختلاطٌ ويقال للمجنون مُخالَط والْتَبَسَ عليه الأَمر أَي اختلَطَ واشْتَبَه والتَّلْبيسُ كالتَّدْليس والتَّخليط شُدِّد للمبالغة ورجل لَبَّاسٌ ولا تقل مُلَبَّس وفي حديث جابر لما نزل قوله تعالى أَو يُلْبِسَكُم شِيَعاً اللَّبْس الخلْط يقال لَبَسْت الأَمر بالفتح أَلْبِسُه إِذا خَلَطت بعضه ببعض أَي يَجْعَلكم فِرَقاً مختلفين ومنه الحديث فَلَبَسَ عليه صَلاتَه والحديث الآخر من لَبَسَ على نفسه لَبْساً كلُّه بالتخفيف قال وربما شدد للتكثير ومنه حديث ابن صيّاد فَلَبَسَني أَي جَعَلني أَلْتَبِسُ في أَمره والحديث الآخر لَبَسَ عليه وتَلَبَّس بيَ الأَمرُ اختلط وتعلق أَنشد أَبو حنيفة تَلَبَّسَ حُبُّها بَدَمي ولَحْمِي تَلَبُّسَ عِطْفَةٍ بفُرُوعِ ضالِ وتَلَبَّسَ بالأَمر وبالثَّوْب ولابَسْتُ الأَمرَ خالَطْتُه وفيه لُبْسٌ ولُبْسَةٌ أَي التِباسٌ وفي التنزيل العزيز وللبَسْنا عليهم ما يَلْبِسُون يقال لَبَسْت الأَمر على القوم أَلْبِسُه لَبْساً إِذا شَبَّهْتَه عليهم وجَعَلتَه مُشْكِلاً وكان رؤساء الكفار يَلْبِسُون على ضَعَفَتهم في أَمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا هَلاَّ أُنزل إِلينا مَلَك ؟ قال اللَّه تعالى ولو أَنزَلْنا مَلَكاً فرأَوْه يعني المَلَك رجُلاً لكان يَلْحَقهم فيه من اللَّيْس مثل ما لحق ضَعَفَتَهُم منه ومن أَمثالهم أَعْرَضَ ثَوْبُ المُلْتَبِس إِذا سأَلتَه عن أَمر فلم يُبَيِّنْهُ لك وفي التهذيب أَعْرَضَ ثَوْبُ المُلْبِسِ يُضرَب هذا المَثَل لِمَن اتَّسَعت فِرْقَتُه أَي كثر من يَتَّهِمُه فيما سَرَقه والمِلْبَس الذي يلبسُك ويُجلِّلك والمِلْبَسُ الليل بعَيْنه كما تقول إِزارٌ ومِئْزًرٌ ولِحافٌ ومِلْحَفٌ ومن قال المَلْبَس أَراد ثَوْب اللُّبْس كما قال وبَعْدَ المَشِيبِ طُول عُمْرٍ ومَلْبَسَا وروي عن الأَصمعي في تفسير هذا المثل قال ويقال ذلك للرجل يقال له ممن أَنت ؟ فيقول من مُضَر أَو من رَبيعَة أَو من اليَمَن أَي عَمَمْت ولم تخصَّ واللَّبْسُ اختِلاطُ الظلام وفي الحديث لُبْسَةٌ بالضم أَي شُبْهَةٌ ليس بواضح وفي الحديث فيَأْكلُ فما يَتَلَبَّسُ بِيَدِه طَعام أَي لا يَلْزَق به لنظافة أَكله ومنه الحديث ذهب ولم يَتَلَبَّسْ منها بشيء يعني من الدنيا وفي كلامه لَبُوسة ولُبُوسَة أَي أَنه مُلْتَبِس عن اللحياني ولَبَّسَ الشيءُ الْتَبَسَ وهو من باب قد بَيَّنَ الصبحُ لِذِي عَينَيْن ولابَسَ الرجلُ الأَمر خالطَه ولابَسْتَ فلاناً عَرَفت باطنَه وما في فلان مَلبَس أَي مُسْتَمْتَع ورجل البِيسٌ أَحمق الليث اللَّبَسَة بَقْلة قال الأَزهري لا أَعرف اللَّبَسَة في البُقُول ولم أَسمع بها لغير الليث

https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgaJYbdLLm-pDfBvLhyphenhyphenvHgmYK6dFNN_420FnmqPfQC5qIZALeln0S_EdAemmxGSFvmfov03dbmAm_LOHJP0iks0H6YG7Li-F8g3xJOeCsA1iQXcEn0Azy2HVP8JhBDR42RXClYn7APmCo0/s200/1502252514364.gif

وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81سورة الأنعام)
((الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون أي بشرك ; قاله أبو بكر الصديق وعلي وسلمان وحذيفة ، رضي الله عنهم . وقال ابن عباس : هو من قول إبراهيم ; كما يسأل العالم ويجيب نفسه . وقيل : هو من قول قوم إبراهيم ; أي أجابوا بما هو حجة عليهم ; قاله ابن جريج . وفي الصحيحين عن ابن مسعود : لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم

وهم مهتدون أي في الدنيا .


  قوله تعالى وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله

 

 قوله تعالى وكيف أخاف ما أشركتم ففي " كيف " معنى الإنكار ; أنكر عليهم تخويفهم إياه بالأصنام وهم لا يخافون الله عز وجل ; أي كيف أخاف مواتا وأنتم لا تخافون الله القادر على كل شيء ما لم ينزل به عليكم سلطانا أي حجة ; وقد تقدم . فأي الفريقين أحق بالأمن أي من عذاب الله :المؤمن أم المشرك ; فقال الله قاضيا بينهم 

الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون 


أي بشرك(يعني بطاعة هي لغير الله وأكبرها السجود لوثن أو صنم أو دعوي إله مع الله) قاله أبو بكر الصديق وعلي وسلمان وحذيفة ، رضي الله عنهم . وقال ابن عباس : هو من قول إبراهيم ; كما يسأل العالم ويجيب نفسه . وقيل : هو من قول قوم إبراهيم ; أي أجابوا بما هو حجة عليهم ; قاله ابن جريج 

وفي الصحيحين عن ابن مسعود : لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس هو كما تظنون(قلت المدون: هل هو الشرك كعلم؟ وقد علمنا أن من أشرك ثم تاب فقد وقع في محيط الإيمان: ليس هو كما تظنون[أي ليس هو كما تظنون بأنه لن يقبل بتوبته عند الله لأن الله تعالي قال (((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)] ومن قال بغير ذلك فقد قال بامتناع التوبة علي المشركين بالله حتي لو صدقوا في توبتهم وحتي لو تابوا وأصبحوا في صفوف المؤمنين الأول (وهذ باطل لأن الله تعلي قال إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وقد أطلق الله تعالي توبته علي من تاب ولو كانت ذنوبه مثل زبد البحر ولو كا من المشركين قبل توبته فالتوبة تكس محيط المعصية والشرك لكونهما طاعة للشياطين أو للهوي أو للنفس أو لمحبة ذات البين أو قرناء السوء) إنما هو كما قال لقمان لابنه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم  لذلك نبه رسول الله صلي الله عليه وسلم بأن ظلمكم لأنفسكم ليس كظلمهم لأنفسهم فشتان بين ظلم يرتكب ويتبعه ندم وتوبة وبين ظلم يرتكب ولا يتبعة ندم وتوبة وقد صح بهذه الآية وهذا التفسير النبوي لها أن أي ظلم يتعمدة المرء هو صورة من صور الشرك بالله لكن الفرق هو أن المؤمنين يتوبون والمشركين لا يتوبون وعليه فالمقارنة بينهما في صف المؤمنين يقينا (((فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ /// الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون(سورة الأنعام))))

وهم مهتدون أي في الدنيا .



(((وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48) فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50)
فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ))) (56)/سورة الزمر

سورة الأنعام  (((قوله تعالى وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله )))
قوله : ( حدثنا أبو الوليد ) هو الطيالسي .

قوله : ( وحدثني بشر ) هو في الروايات المصححة بواو العطف ، وفي بعض النسخ قبلها صورة ح ، فإن كان من أصل التصنيف فهي مهملة مأخوذة من التحويل على المختار . وإن كانت مزيدة من بعض الرواة فيحتمل أن تكون مهملة كذلك أو معجمة مأخوذة من البخاري لأنها رمزه ، أي : قال البخاري : وحدثني بشر ، وهو ابن خالد العسكري وشيخه محمد هو ابن جعفر المعروف بغندر ، وهو أثبت الناس في شعبة ، ولهذا أخرج المؤلف روايته مع كونه أخرج الحديث عاليا عن أبي الوليد ، واللفظ المساق هنا لفظ بشر ، وكذلك أخرج النسائي عنه وتابعه ابن أبي عدي عن شعبة ، وهو عند المؤلف في تفسير الأنعام ، وأما لفظ أبي الوليد [ ص: 110 ] فساقه المؤلف في قصة لقمان بلفظ " أينا لم يلبس إيمانه بظلم "

وزاد فيه أبو نعيم في مستخرجه من طريق سليمان بن حرب عن شعبة بعد قوله : إن الشرك لظلم عظيم : فطابت أنفسنا . [وما الشرك بظلم عظيم إلا لكون القائم به لم يتوسد طريق التوبة من هذا الشرك لا لأن الشرك غير المعاصي ولكن لأن الشرك جزء من المعاصي وطاعة غير الله في معصيته]

واقتضت رواية شعبة هذه أن هذا السؤال سبب نزول الآية الأخرى التي في لقمان ، لكن رواه البخاري ومسلم من طريق أخرى عن الأعمش وهو سليمان المذكور في حديث الباب .

ففي رواية جرير عنه " فقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال : ليس بذلك ، ألا تسمعون إلى قول لقمان "

 وفي رواية وكيع عنه " فقال ليس كما تظنون "

 وفي رواية عيسى بن يونس : " إنما هو الشرك(يعني بمحيطه القائم حول المشرك بكونه لم يتب الي الله منه لكن المؤمنين إن ظلموا أنفسهم ولبست عليهم أحوالهم سارعوا فندموا وتابوا فأي الفريقين أحق بالأمن  ((فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ /// الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون(سورة الأنعام)))))

ألم تسمعوا إلى ما قال لقمان "

وظاهر هذا أن الآية التي في لقمان كانت معلومة عندهم ولذلك نبههم عليها

ويحتمل أن يكون نزولها وقع في الحال فتلاها عليهم ثم نبههم فتلتئم الروايتان


 والذي يظهر لي أنهم حملوا الظلم على عمومه ، الشرك فما دونه ، وهو الذي يقتضيه صنيع المؤلف لكن رسةل الله صلي الله عليه وسلم نبههم الي الفرق بينهم وبين المشركين وهو أنكم تتوبون وهم لا يتوبون ولا احتمال ثالث


 وإنما حملوه على العموم لأن قوله : ( بظلم ) نكرة في سياق النفي ; لكن عمومها هنا بحسب الظاهر . قال المحققون : إن دخل على النكرة في سياق النفي ما يؤكد العموم ويقويه نحو " من " في قوله : ما جاءني من رجل ، أفاد تنصيص العموم ، وإلا فالعموم مستفاد بحسب الظاهر كما فهمه الصحابة من هذه الآية ، وبين لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ظاهرها غير مراد ، بل هو من العام الذي أريد به الخاص ، فالمراد بالظلم أعلى أنواعه وهو الشرك . فإن قيل : من أين يلزم أن من لبس الإيمان بظلم لا يكون آمنا ولا مهتديا حتى شق عليهم ، والسياق إنما يقتضي أن من لم يوجد منه الظلم فهو آمن ومهتد [[[قلت والفرق هو أن المؤمنين يتوبون والمشركين لا يتوبون لذلك هم الذين لهم الأمن دون المشركين ]]]فما الذي دل على نفي ذلك عمن وجد منه الظلم ؟ فالجواب أن ذلك مستفاد من المفهوم وهو مفهوم الصفة ، أو مستفاد من الاختصاص المستفاد من تقديم " لهم " على الأمن ، أي : لهم الأمن لا لغيرهم ، كذا قال الزمخشري في قوله تعالى إياك نعبد وقال في قوله تعالى كلا إنها كلمة هو قائلها تقديم " هو " على " قائلها " يفيد الاختصاص ، أي : هو قائلها لا غيره ، فإن قيل : لا يلزم من قوله : إن الشرك لظلم عظيم أن غير الشرك لا يكون ظلما . فالجواب أن التنوين في قوله لظلم للتعظيم ، وقد بين ذلك استدلال الشارع بالآية الثانية ، فالتقدير لم يلبسوا إيمانهم بظلم عظيم أي بشرك ، إذ لا ظلم أعظم منه [[[قلت المدون هذا الذي قاله الشارح غير دقيق فالشرك ظلم عظيم لأن صاحبه أقام وأصر عليه وبأي مقدار من الظلم يكون الشرك إن لم تصاحبه توبة ]]]

وقد ورد ذلك صريحا عند المؤلف في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام من طريق حفص بن غياث عن الأعمش ولفظه " قلنا : يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه ؟ قال : ليس كما تقولون ، لم يلبسوا إيمانهم بظلم : بشرك(((واللبس هنا المخالطة أي ترالذين تركوا التوبة من هذا الشرك أو الظلم العظيم صار عظيما لتمدده واختلاط شأن اليمان به لامتناع توبتهم وسيزول اللبس والمزيج بين الايمان وبين الشرك بمجرد تصدير التوبة )))

قوله : ( ولم يلبسوا ) أي لم يخلطوا ، تقول : لبست الأمر بالتخفيف ، ألبسه بالفتح في الماضي والكسر في المستقبل ، أي خلطته .

قلت المدون وقول: محمد بن إسماعيل التيمي في شرحه : خلط الإيمان بالشرك لا يتصور فالمراد أنهم لم تحصل لهم الصفتان كفر متأخر [ ص: 111 ] عن إيمان متقدم   أي : لم يرتدوا {قلت فات علي التيمي أن الشرك قد يداخل نفس المؤمن بكونه يظلم نفسه فهو بعد ظلمه هذا لنفسة أحد رجلين 1) إما تاب    ي) أو لم يتب

فالتائب من ظلمه لنفسة قد أمَّنَ نفسه وانخلع بتوبته  من ظلمه لنفسه الذي وصف هنا بكونه الشرك} فصار من الآمنين والقائم مصرا علي الشرك قد  باء بالخسران المبين والفريقان إذا لا يستوون....






الثلاثاء، 28 أبريل 2020


2/ تابع اسماء الله الحسني

اسماء الله الحسني

٤٦ الله سبحانه غني بذاته وَهُوَ الْغَنِيُّ بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ * جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَعَالَى شَانُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ رِزْقُهُ عَلَيْهِ * وَكُلُّنَا مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ (وَهُوَ الْغَنِيُّ بِذَاتِهِ) فَلَهُ الْغِنَى الْمُطْلَقُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ (سُبْحَانَهُ) وَبِحَمْدِهِ تَنْزِيهًا لَهُ وَتَحْمِيدًا (جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَعَالَى شَانُهُ) تَعْظِيمًا لَهُ وَتَمْجِيدًا (وَكُلُّ شَيْءٍ رِزْقُهُ عَلَيْهِ) لَا رَازِقَ لَهُ سِوَاهُ وَلَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ (وَكُلُّنَا) مَعْشَرَ الْمَخْلُوقَاتِ (مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ) لَا غِنَى لَنَا عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَكَمَا أَنَّ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ مُفْتَقِرَةٌ إِلَيْهِ تَعَالَى فِي وُجُودِهَا فَلَا وُجُودَ لَهَا إِلَّا بِهِ فَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَيْهِ فِي قِيَامِهَا فَلَا قِوَامَ لَهَا إِلَّا بِهِ فَلَا حَرَكَةَ وَلَا سُكُونَ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَهُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ، الْقَيِّمُ لِغَيْرِهِ فَلَا قِوَامَ لِشَيْءٍ إِلَّا بِهِ، فَلِلْخَالِقِ مُطْلَقُ الْغِنَى وَكَمَالُهُ، وَلِلْمَخْلُوقِ مُطْلَقُ الْفَقْرِ إِلَى اللَّهِ وَكَمَالُهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [فَاطِرٍ: 15-17] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التَّغَابُنِ: 5-6] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الْحَجِّ: 64] ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الْأَنْعَامِ: 14] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذريات: 56-58] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقَوُا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} [النِّسَاءِ: 131] ، وَقَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَى الْيَهُودِ: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} [آلِ عِمْرَانَ: 180] ، وَقَالَ رَدًّا عَلَيْهِمْ أَيْضًا:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [الْمَائِدَةِ: 64] ، وَقَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَى الْمُنَافِقِينَ: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [الْمُنَافِقُونَ: 7] ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} [الْإِسْرَاءِ: 100] . وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، يُخْبِرُ تَعَالَى بِكَمَالِ غِنَاهُ عَنْ خَلْقِهِ وَأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي غِنَاهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَ وَلَا يَنْقُصُهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَى، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْلُقِ الْخَلْقَ لِحَاجَةٍ إِلَيْهِمْ وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَمْ يَخْلُقْهُمْ وَلَوْ شَاءَ لَذَهَبَ بِهِمْ وَجَاءَ بِغَيْرِهِمْ وَيُخْبِرُ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ فُقَرَاءُ إِلَيْهِ لَا غِنَى لَهُمْ عَنْهُ فِي نَفَسٍ مِنَ الْأَنْفَاسِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ حَتَّى أَوْجَدَهُمْ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَا غَيْرِهَا إِلَّا بِمَا أَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ. وَقَالَ تَعَالَى فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَّالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ. وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُ فَسَلُونِي الْهُدَى أَهْدِكُمْ، وَكُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلَّا مَنْ أَغْنَيْتُ فَسَلُونِي أَرْزَقْكُمْ، وَكُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلَّا مَنْ عَافَيْتُ، فَمَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى الْمَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ وَلَا أُبَالِي، وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى أَشْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَجِنَّكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيَّتُهُ فَأَعْطَيْتُ كُلَّ سَائِلٍ مِنْكُمْ مَا سَأَلَ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي إِلَّا كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ بِالْبَحْرِ فَغَمَسَ فِيهِ إِبْرَةً ثُمَّ رَفَعَهَا إِلَيْهِ، ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ وَاجِدٌ مَاجِدٌ أَفْعَلُ مَا أُرِيدَ، عَطَائِي كَلَامٌ وعذابي كلام، إما أَمْرِي لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُهُ أَنْ أَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تُغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَفَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ رَبُّكُمْ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يُغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ» وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَفِيهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ عَلَيْنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ» وَفِي بَعْضِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَيُؤَمَّلُ غَيْرِي لِلشَّدَائِدِ وَالشَّدَائِدُ بِيَدِي وَأَنَا الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وَيُرْجَى غَيْرِي وَيُطْرَقُ بَابُهُ بِالْبُكْرَاتِ وَبِيَدِي مَفَاتِيحُ الْخَزَائِنِ وَبَابِي مَفْتُوحٌ لِمَنْ دَعَانِي، مَنْ ذَا الَّذِي أَمَّلَنِي لِنَائِبَةٍ فَقَطَعْتُ بِهِ. أَوْ مَنْ ذَا الَّذِي رَجَانِي لِعِظَمٍ فَقَطَعْتُ بِهِ، أَوْ مَنْ ذَا الَّذِي طَرَقَ بَابِي فَلَمْ أَفْتَحْهُ لَهُ، أَنَا غَايَةُ الْآمَالِ فَكَيْفَ تَنْقَطِعُ الْآمَالُ دُونِي، أَبَخِيلٌ أَنَا فَيُبَخِّلُنِي عَبْدِي، أَلَيْسَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ وَالْكَرْمُ وَالْفَضْلُ كُلُّهُ لِي فَمَا يَمْنَعُ الْمُؤَمِّلِينَ أَنْ يُؤَمِّلُونِي، لَوْ جَمَعْتُ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ أَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا أَعْطَيْتُ الْجَمِيعَ وَبَلَّغْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَمَلَهُ لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي عُضْوَ ذَرَّةٍ. كَيْفَ يَنْقُصُ مُلْكٌ أَنَا قَيِّمُهُ، فَيَا بُؤْسًا لِلْقَانِطِينَ مِنْ رَحْمَتِي، وَيَا بُؤْسًا لِمَنْ عَصَانِي وَتَوَثَّبَ على محارمي. وَجَاءَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ النُّزُولِ: «مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ». وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا لَوْ أَرَدْنَا اسْتِقْصَاءَهَا لَطَالَ الْفَصْلُ وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ، فَسُبْحَانَ مَنْ وَسِعَ خَلْقَهُ بِغِنَاهُ، وَافْتَقَرَ كُلُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ وَهُوَ الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لُقْمَانَ: 12] ٤٦ ...... ٤٧ كلام الله عز وجل كَلَّمَ مُوسَى عَبْدَهُ تَكْلِيمًا * وَلَمْ يَزَلْ بِخَلْقِهِ عَلِيمًا أَيْ: وَمِمَّا أَثْبَتَهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ لِنَفْسِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْلِيمُهُ عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ بِدُونِ وَاسِطَةِ رَسُولٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بَلْ أَسْمَعَهُ كَلَامَهُ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ اللَّائِقَةُ بِذَاتِهِ كَمَا شَاءَ وَعَلَى مَا أَرَادَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [الْبَقَرَةِ: 253] ، وَقَالَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النِّسَاءِ: 164] ، فَأَكَّدَهُ بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَةً فِي الْبَيَانِ وَالتَّوْضِيحِ، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ قال يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} [الْأَعْرَافِ: 143-145] ، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ مَرْيَمَ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} [مَرْيَمَ: 51-53] ، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ طه: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}-إِلَى قوله- {أَلْقِهَا يَا مُوسَى}-إِلَى قَوْلِهِ- {قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [طه: 9-21] ، إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. وَقَالَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ} [الشُّعَرَاءِ: 10-11] ، الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّمْلِ: {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} [النَّمْلِ: 7-21] ، الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقَصَصِ: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الْقَصَصِ: 29-32] ، الْآيَاتِ. وَالْقُرْآنُ مُمْتَلِئٌ بِذَلِكَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ احْتِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ عِنْدَ رَبِّهِمَا وَفِيهِ قَوْلُ آدَمَ لِمُوسَى: «أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ تَعَالَى بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ» الْحَدِيثَ. وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا». فَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ اصْطَفَى عَبْدَهُ مُوسَى بِكَلَامِهِ وَاخْتَصَّهُ بِإِسْمَاعِهِ إِيَّاهُ بِدُونِ وَاسِطَةٍ وَأَنَّهُ نَادَاهُ وَنَاجَاهُ وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا. وَأَخْبَرَنَا تَعَالَى بِمَا كَلَّمَهُ بِهِ، وَبِالْمَوْضِعِ الَّذِي كَلَّمَهُ فِيهِ، وَبِالْمِيقَاتِ الَّذِي كَلَّمَهُ فِيهِ، وَأَخْبَرَ عَنْهُ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ، فَأَيُّ كَلَامٍ أَفْصَحُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيُّ بَيَانٍ أَوْضَحُ مِنْ بَيَانِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَبِأَيِّ بُرْهَانٍ يَقْنَعُ مَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الْجَاثِيَةِ: 6] ، وَفِي هَذَا أَعْلَى دَلَالَةٍ وَأَبْيَنُهَا وَأَوْضَحُهَا عَلَى ثُبُوتِ صِفَةِ الْكَلَامِ لِرَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ إِذَا شَاءَ بِمَا يَشَاءُ وَكَيْفَ يَشَاءُ بِكَلَامٍ يَسْمَعُهُ مَنْ يَشَاءُ، أَسْمَعَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَيْفَ شَاءَ وَعَلَى مَا أَرَادَ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ نِدَاؤُهُ الْأَبَوَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إِذْ يَقُولُ: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الْأَعْرَافِ: 22] ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سَبَأٍ: 23] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» الْحَدِيثُ. وَفِيهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ». وَثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَلَامُهُ مَعَ الرُّسُلِ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [الْمَائِدَةِ: 109] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [النَّحْلِ: 83] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} [النَّحْلِ: 85] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الْقَصَصِ: 62] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [الْقَصَصِ: 65] ، وَأَنَّهُ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} وَأَنَّهُ يَقُولُ لأهل النار: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 108] ، وَالْقُرْآنُ مُمْتَلِئٌ بِذَلِكَ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَيُنَادِي بِصَوْتٍ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ». وَفِيهِ تَعْلِيقًا عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ». وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». وَفِيهِ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا أَنَا قَبَضْتُ صَفِّيَهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ». وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: «يَقُولُ اللَّهُ عِزَّ وَجَلَّ: مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ». الْحَدِيثَ. وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ آخِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ: «فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشْرَةَ أَمْثَالِهَا» وَفِيهِ مِنْ كَلَامِهِ تَعَالَى مَعَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ قَوْلُهُ تَعَالَى: «لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ». وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُؤْمِنِينَ «أَنَا رَبُّكُمْ»، وَفِيهِ فِي بَابِ كَلَامِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبُّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبُّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا». وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «أَنَا مَعَ عَبْدِي حَيْثُمَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ» وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا» الْحَدِيثَ. وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَ: مَهْ، قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ. فَقَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائِي أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي كَرِهْتُ لِقَاءَهُ». وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا فِي قِصَّةِ الْمُذْنِبِ الْمُسْتَغْفِرِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: «فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مُطِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِي». وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي ذِكْرِ طَيِّ اللَّهِ تَعَالَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَفِيهِ: «ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ كَيْفَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: «يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيَقُولُ تَعَالَى: أَعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، وَيَقُولُ: أَعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَرِّرُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ». وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا لَوْ كَانَتْ لَكَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قد أردت منك أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَلَّا تُشْرِكَ-أَحْسَبُهُ قَالَ: وَلَا أُدْخِلُكَ النَّارَ- فَأَبَيْتَ إِلَّا الشِّرْكَ». وَعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِالْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ لَهُ: أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ سَمْعًا وَبَصَرًا وَمَالًا وَوَلَدًا وَسَخَّرْتُ لَكَ الْأَنْعَامَ وَالْحَرْثَ وَتَرَكْتُكَ تَرَأْسُ وَتَرَبَّعُ، فَكُنْتَ تَظُنُّ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ يَوْمَكَ هَذَا؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ لَهُ: الْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «الْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي» الْيَوْمَ أَتْرُكُكَ فِي الْعَذَابِ. وفي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ قَالَتْ: وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ فِي بَرَاءَتِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} الْعَشْرَ الْآيَاتِ. وَلَوْ ذَهَبْنَا نَنْقُلُ الْأَحَادِيثَ فِي قَالَ اللَّهُ وَيَقُولُ وَيَتَكَلَّمُ وَيُنَادِي وَنَحْوِ ذَلِكَ لَطَالَ الْفَصْلُ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ. وَهَذِهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ مِمَّا ذَكَرْنَا وَمِمَّا لَمْ نَذْكُرْ كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، يَتَكَلَّمُ بِمَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ مَتَى شَاءَ بِكَلَامٍ حَقِيقَةً يُسْمِعُهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ وَأَنَّ كَلَامَهُ قَوْلٌ حَقِيقَةً كَمَا أَخْبَرَ وَعَلَى مَا يَلِيقُ بِعَظَمَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} وَقَالَ: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} وَقَالَ: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} وَالْقُرْآنُ كَلَامُهُ تَعَالَى تَكَلَّمَ بِهِ حَقِيقَةً كَمَا شَاءَ وَهُوَ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ شَاهِدٌ بِذَلِكَ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَحْثُهُ قَرِيبًا، وَكَلَامُهُ تَعَالَى صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ وَالصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِمَوْصُوفِهَا، فَصِفَاتُ الْبَارِي تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَائِمَةٌ به أزلية بأزليته بَاقِيَةٌ بِبَقَائِهِ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِهَا وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ لَمْ تُجَدَّدْ لَهُ صِفَةٌ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهَا، وَلَا تَنْفَدُ صِفَةٌ كَانَ مُتَّصِفًا بِهَا، بَلْ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. ٤٧ .

٤٨ الكلام الالهي يجل عن الاحصاء والحصر والفناء كَلَامُهُ جَلَّ عَنِ الْإِحْصَاءِ * وَالْحَصْرِ وَالنَّفَادِ وَالْفَنَاءِ لَوْ صَارَ أَقْلَامًا جَمِيعُ الشَّجَرِ * وَالْبَحْرُ تُلْقَى فِيهِ سَبْعَةُ أَبْحُرِ وَالْخَلْقُ تَكْتُبُهُ بِكُلِّ آنِ * فَنَتْ وَلَيْسَ الْقَوْلُ مِنْهُ فَانِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الْكَهْفِ: 109] ، وَقَالَ تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لُقْمَانَ: 27] . قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى وَكَلِمَاتِهِ التَّامَّةِ الَّتِي لَا يُحِيطُ بِهَا أَحَدٌ وَلَا اطِّلَاعَ لِبَشَرٍ عَلَى كُنْهِهَا وَإِحْصَائِهَا، كَمَا قَالَ سَيِّدُ الْبَشَرِ وَخَاتَمُ الرُّسُلِ: «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»، فَقَالَ تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} أَيْ: وَلَوْ أَنَّ جَمِيعَ أَشْجَارِ الْأَرْضِ جُعِلَتْ أَقْلَامًا وَجُعِلَ الْبَحْرُ مِدَادًا وَأَمَدَّهُ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَعَهُ فَكُتِبَتْ بِهَا كَلِمَاتُ اللَّهِ تَعَالَى الدَّالَّةُ عَلَى عَظْمَتِهِ وَصِفَاتِهِ وَجَلَالِهِ لَتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ وَنَفِدَ مَاءُ الْبَحْرِ وَلَوْ جَاءَ أَمْثَالُهَا مَدَدًا، وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ السَّبْعَةُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ وَلَمْ يُرِدِ الْحَصْرَ، وَلَا أَنَّ ثَمَّ سَبْعَةَ أَبْحُرٍ مَوْجُودَةً مُحِيطَةً بِالْعَالَمِ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ تَلَقَّاهُ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي لَا تُصَدَّقُ وَلَا تُكَذَّبُ، بَلْ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَاتِ الْأُخْرَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ {بِمِثْلِهِ} آخَرَ فَقَطْ، بَلْ بِمِثْلِهِ ثُمَّ بِمِثْلِهِ ثُمَّ بِمِثْلِهِ ثُمَّ هَلُمَّ جَرًّا؛ لِأَنَّهُ لَا حَصْرَ لِآيَاتِ اللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَوْ جُعِلَ شَجَرُ الْأَرْضِ أَقْلَامًا وَجُعِلَ الْبَحْرُ مِدَادًا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ مِنْ أَمْرِي كَذَا وَمِنْ أَمْرِي كَذَا، لِنَفِدَ مَاءُ الْبَحْرِ وَتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّمَا هَذَا كَلَامٌ يُوشِكُ أَنْ يَنْفَدَ، فَقَالَ اللَّهُ تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} أَيْ: لَوْ كَانَ شَجَرُ الْأَرْضِ أَقْلَامًا وَمَعَ الْبَحْرِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا كَانَتْ لِتَنْفَدَ عَجَائِبُ رَبِّي وَحِكْمَتُهُ وَخَلْقُهُ وَعِلْمُهُ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّ مَثَلَ عِلْمِ الْعِبَادِ كُلِّهِمْ فِي عِلْمِ اللَّهِ كَقَطْرَةٍ مِنْ مَاءِ الْبُحُورِ كُلِّهَا، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ ذلك: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} الْآيَةَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَالْأَشْجَارُ كُلُّهَا أَقْلَامًا لَانْكَسَرَتِ الْأَقْلَامُ وَفَنِيَ مَاءُ الْبَحْرِ وَبَقِيَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ قَائِمَةً لَا يُفْنِيهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْدِرَهُ قَدْرَهُ وَلَا يُثْنِيَ عَلَيْهِ كَمَا يَنْبَغِي حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُثْنِي عَلَى نَفْسِهِ، إِنَّ رَبَّنَا كَمَا يَقُولُ وَفَوْقَ مَا نَقُولُ. قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ جَوَابًا لِلْيَهُودِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ-أَوْ عِكْرِمَةَ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَحْبَارَ يَهُودَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ: يَا مُحَمَّدُ أَرَأَيْتَ قَوْلَكَ: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} إِيَّانَا تُرِيدُ أَمْ قَوْمَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كِلَاكُمَا» قَالُوا: أَلَسْتَ تَتْلُو فِيمَا جَاءَنَا أَنَّا قَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ فِيهَا تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ وَعِنْدَكُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَكْفِيكُمْ»، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ ذلك: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} الْآيَةَ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ لَا مَكِّيَّةٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أَيْ: عَزِيزٌ قَدْ عَزَّ كُلَّ شَيْءٍ وَقَهَرَهُ وَغَلَبَهُ، فَلَا مَانِعَ لِمَا أَرَادَ وَلَا مُخَالِفَ لِأَمْرِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، حَكِيمٌ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَشَرْعِهِ وجميع شئونه. وَعَنِ جُوَيْرِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ: «مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ. وَعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ؟ قَالَ: «أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ جَبَّارٌ وَلَا مُتَكَبِّرٌ». وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ كَلِمَاتِ اللَّهِ بَاقِيَةٌ لَا تَنْفَدُ أَبَدًا تَامَّةٌ لَا تَنْقُصُ أَبَدًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ كَلَامَهُ صِفَتُهُ وَلَيْسَ مِنْ صِفَاتِهِ شَيْءٌ يَنْفَدُ، وَلِذَا أَخْبَرَنَا تَعَالَى أَنَّ جَمِيعَ أَشْجَارِ الْأَرْضِ لَوْ كَانَتْ أَقْلَامًا وَالْبِحَارُ وَأَضْعَافُهَا مِدَادًا يُكْتَبُ بِهَا كَلِمَاتُهُ لَنَفِدَتْ كلها وكلماته باقية لَا تَنْفَدُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَشْجَارَ وَالْبِحَارَ مَخْلُوقَةٌ وَالْمَخْلُوقَاتُ مِنْ لَازِمِهَا النَّفَادُ وَالْفَنَاءُ، وَكَلِمَاتُ اللَّهِ صِفَتُهُ وَلَيْسَ مِنْ صِفَاتِهِ شَيْءٌ يَفْنَى، بَلْ هُوَ الْبَاقِي بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ أَزَلًا وَأَبَدًا {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الْقَصَصِ: 88] ٤٨

٤٩ كلام الله الذي في كتابه عين كلامه ليس بمخلوق وَالْقَوْلُ فِي كِتَابِهِ الْمُفَصَّلْ * بِأَنَّهُ كَلَامُهُ الْمُنَزَّلْ عَلَى الرَّسُولِ الْمُصْطَفَى خَيْرِ الْوَرَى * لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَلَا بِمُفْتَرَى (وَالْقَوْلُ) الَّذِي نعتقد وندين لله بِهِ (فِي) شَأْنِ (كِتَابِهِ الْمُفَصَّلْ) بِسُكُونِ اللَّامِ لِلرَّوِيِّ وَهُوَ الْقُرْآنُ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فَقَالَ: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هُودٍ: 1] ، وَقَالَ تَعَالَى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [فُصِّلَتْ: 3] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابُ مُفَصَّلًا} [الْأَنْعَامِ: 114] ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ (بِأَنَّهُ كَلَامُهُ) حَقِيقَةً حُرُوفُهُ وَمَعَانِيهِ لَيْسَ كَلَامُهُ الْحُرُوفَ دُونَ الْمَعَانِي وَلَا الْمَعَانِيَ دُونَ الْحُرُوفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التَّوْبَةِ: 6] ، وَقَالَ تَعَالَى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} [الْفَتْحِ: 15] ، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ لَا تَرْجِعُونَ إِلَى اللَّهِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ» يَعْنِي الْقُرْآنَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَعَنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ، وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ نِيَارِ بْنِ مُكْرَمٍ الْأَسْلَمِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الرُّومِ: 1-2] ، فَقَالَ رُؤَسَاءُ مشركي مكة يا ابن أَبِي قُحَافَةَ هَذَا مِمَّا أَتَى بِهِ صَاحِبُكَ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَقَوْلُهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَبِّلُ الْمُصْحَفَ وَيَقُولُ: كَلَامُ رَبِّي كَلَامُ رَبِّي. وَعَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ فَضَعُوهُ عَلَى مَوَاضِعِهِ. وَقَالَ خَبَّابٌ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّكَ لَنْ تَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ، فَمَنْ رَدِّ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَى اللَّهِ. وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «إِنَّ أَحْسَنَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ». وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْهُ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الصَّحِيحِ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أُحِبَّ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَلَا أَنْظُرُ فِي كَلَامِ اللَّهِ. يَعْنِي الْقِرَاءَةَ فِي الْمُصْحَفِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ فَلْيَعْرِضْ نَفْسَهُ عَلَى الْقُرْآنِ، فَإِنْ أَحَبَّ الْقُرْآنَ فَهُوَ يُحِبُّ اللَّهَ، فَإِنَّمَا الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ. فَهَذِهِ النُّصُوصُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَكَلَّمَ بِهِ حَقِيقَةً، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الم}، {المص}، {الر}، {المر}، {كهيعص}، {طه}، {طس}، {طسم}، {حم}، {عسق} وَلَيْسَ كَلَامُ اللَّهِ الْمَعَانِيَ دُونَ الْحُرُوفِ وَلَا الْحُرُوفَ دُونَ الْمَعَانِي، بَلْ حُرُوفُهُ وَمَعَانِيهِ عَيْنُ كَلَامِ اللَّهِ. (الْمُنَزَّلْ) مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (عَلَى الرَّسُولِ الْمُصْطَفَى خَيْرِ الْوَرَى) مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وتعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [الْبَقَرَةِ: 136] ، وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آلِ عِمْرَانَ: 7] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النِّسَاءِ: 105] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} [النِّسَاءِ: 60] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النِّسَاءِ: 136] ، وَقَالَ تَعَالَى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [الْبَقَرَةِ: 285] ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الْبَقَرَةِ: 97] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} [النِّسَاءِ: 47] ، الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ} [آلِ عِمْرَانَ: 199] ، الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [النِّسَاءِ: 162] ، وَقَالَ تَعَالَى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النِّسَاءِ: 166] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النِّسَاءِ: 174] ، وَقَالَ تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} [الْبَقَرَةِ: 231] ، وَقَالَ تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [الْمَائِدَةِ: 48] ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ} [الْمَائِدَةِ: 59] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [الْمَائِدَةِ: 67] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الْأَنْعَامِ: 92] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونُنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [الْأَنْعَامِ: 114] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ} [الْأَنْعَامِ: 155] ، وَقَالَ تَعَالَى: {المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الْأَعْرَافِ: 1-2] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [الْبَقَرَةِ: 23] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ} [التَّوْبَةِ: 86] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التَّوْبَةِ: 124] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا} [التَّوْبَةِ: 127] ، وقال تعالى: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هُودٍ: 14] ، وَقَالَ تَعَالَى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إِبْرَاهِيمَ: 1] ، وَقَالَ تَعَالَى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يُوسُفَ: 2] ، وَقَالَ تَعَالَى: {المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} [الرَّعْدِ: 1] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} [الرَّعْدِ: 37] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الْحِجْرِ: 9] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النَّحْلِ: 2] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النَّحْلِ: 89] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النَّحْلِ: 64] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النَّحْلِ: 44] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكِ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين} [النَّحْلِ: 10-12] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الْإِسْرَاءِ: 105] ، وَقَالَ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا} [الْكَهْفِ: 1] ، وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 10] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 50] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ} [الْحَجِّ: 16] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ} [طه: 113] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [النُّورِ: 34] ، وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النُّورِ: 46] ، وَقَالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الْفُرْقَانِ: 1] ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الْفُرْقَانِ: 6] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشُّعَرَاءِ: 192] ، الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النَّمْلِ: 6] ، وَقَالَ تَعَالَى: {طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الْقَصَصِ: 1-3] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [لُقْمَانَ: 21] ، وَقَالَ تَعَالَى: {الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [السَّجْدَةِ: 1-3] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [الْأَحْزَابِ: 2] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سَبَأٍ: 6] ، وَقَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [يس: 5] ، وَقَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الْجَاثِيَةِ: 2] ، {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [النِّسَاءِ: 105] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ} [الزُّمَرِ: 41] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزُّمَرِ: 55] ، وَقَالَ تَعَالَى: {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [غَافِرٍ: 1-2] ، وَقَالَ تَعَالَى: {حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فُصِّلَتْ: 1-2] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلَتْ: 41-42] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ} [الْأَنْعَامِ: 155] ، وَقَالَ تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29] ، وَقَالَ تَعَالَى: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدُّخَانِ: 1-3] ، وَقَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزُّمَرِ: 1-2] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْوَاقِعَةِ: 75-80] ، وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الْحَدِيدِ: 25] ، وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الْحَدِيدِ: 9] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا} [التَّغَابُنِ: 8] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [الْقَلَمِ: 51-52] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلٍ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكُّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْحَاقَّةِ: 38-43] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} يَعْنِي بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سُورَةِ التَّكْوِيرِ يَعْنِي بِهِ جِبْرِيلَ، وَمَعْنَى الْإِضَافَةِ فِي كِلَا الْآيَتَيْنِ إِنَّمَا هُوَ التَّبْلِيغُ؛ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الرَّسُولِ أَنْ يُبَلِّغَ عَنِ الْمُرْسِلِ. لَا أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ الرَّسُولِ الْمَلَكِيِّ وَلَا الْبَشَرِيِّ كَمَا بَيَّنَ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [الْقَدْرِ: 1] ، وَقَالَ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرَّحْمَنِ: 1-2] ، وَقَالَ تَعَالَى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [يُوسُفَ: 3] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشُّورَى: 52] ، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا بَلِ الْقُرْآنُ كُلُّهُ فَاتِحَتُهُ إِلَى خَاتِمَتِهِ يَشْهَدُ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَتَنْزِيلُهُ وَقَصَصُهُ وَتَعْلِيمُهُ وَأَلْفَاظُهُ وَمَعَانِيهِ وَإِيجَازُهُ وَإِعْجَازُهُ يُرْشِدُ إِلَى أَنَّهُ كَلَامُ الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ وَصِفَتُهُ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْبَشَرُ الْإِتْيَانَ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِذَلِكَ كُلُّ عَاقِلٍ حَتَّى الْمُشْرِكُونَ كَمَا قَالَ أَكْفَرُ قُرَيْشٍ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ لَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: قُلْ فِيهِ قَوْلًا يَبْلُغُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لَهُ. قَالَ: وَمَاذَا أَقُولُ فِيهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ أَعْرَفُ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي وَلَا أَعْلَمُ بِرَجَزِهِ وَلَا بِقَصِيدِهِ مِنِّي وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ. وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُهُ حَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ، مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ. قَالَ: لَا يَرْضَى عَنْكَ قَوْمُكَ حَتَّى تَقُولَ فِيهِ. قَالَ: قِفْ حَتَّى أُفَكِّرَ فِيهِ، فَلَمَّا فَكَّرَ قَالَ: إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ، يَأْثِرُهُ عَنْ غَيْرِهِ فَنَزَلَتْ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا} [الْمُدَّثِّرِ: 11-12] ، الْآيَاتِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَيُرْوَى عَنْ عُتْبَةَ حِينَ قَرَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حم السَّجْدَةِ نَحْوُ ذَلِكَ. وَكَذَا أَبُو جَهْلٍ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ. فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُمْ فِيهِ: سِحْرٌ، شِعْرٌ، كَهَانَةٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مُفْتَرَيَاتِهِمْ إِنَّمَا قَالُوهُ عِنَادًا وَمُكَابَرَةً وَإِلَّا فَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ طَوْقِ أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ. وَنَحْنُ وَجَمِيعُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ نُشْهِدُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَشَهِدَ بِهِ، وَنُشْهِدُ مَلَائِكَتَهُ الَّذِينَ شَهِدُوا بِذَلِكَ، وَنُشْهِدُ رَسُولَهُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَبَلَّغَهُ إِلَى الْأُمَّةِ، وَنُشْهِدُ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ صَدَّقُوهُ وَآمَنُوا بِهِ أَنَّا مُؤْمِنُونَ مُصَدِّقُونَ شَاهِدُونَ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَنْزِيلُهُ، وَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ قَوْلًا وَأَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَحْيًا. وَلَا نَقُولُ إِنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ عِبَارَةٌ بَلْ هُوَ عَيْنُ كَلَامِ اللَّهِ حُرُوفُهُ وَمَعَانِيهِ، نَزَلَ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَالْكَلَامُ إِنَّمَا يُضَافُ حَقِيقَةً إِلَى مَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا لَا إِلَى مَنْ قَالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [الْمَائِدَةِ: 67] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [التَّغَابُنِ: 12] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النُّورِ: 54] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} [الشُّورَى: 48] ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ} [الْجِنِّ: 23] ، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا. يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ رَسُولِهِ أَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنْهُ مُؤَدٍّ لِمَا أَرْسَلَهُ بِهِ وَهَذَا يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ يَعْقِلُ لَفْظَةَ (رَسُولِ) فَإِنَّ الرَّسُولَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرْسِلٍ بِرِسَالَاتِهِ، فَالْمُرْسِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالرِّسَالَةُ هِيَ الْقُرْآنُ وَالْمُرْسَلُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَبِّهِ. وَقَالَ أَنَسٌ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَهُ حَرَامًا إِلَى قَوْمِهِ، وَقَالَ أَتُؤَمِّنُونِي أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ. وَعَنِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ فَلَا تُصَدِّقْهُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}. وَفِي خُطْبَتِهِ فِي مَوْقِفِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ» وَفِيهَا إِشَارَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاءِ قَائِلًا: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ اشْهَدْ» قَالَهَا مِرَارًا. وَعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ ثُمَّ قَالَ: «لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفُقُ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رقبته صامت يقول: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى الْقَبَائِلِ فِي الْمَوَاسِمِ وَيَقُولُ: «إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَآتِيكُمْ لِتَمْنَعُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي» وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، يُخْبِرُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مُخْبِرٌ عَنِ اللَّهِ، وَمُبَلِّغُ رِسَالَتِهِ، وَأَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ وَأَخْبَرَ بِهِ هُوَ تَبْلِيغٌ لِأَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ وَخَبَرِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، فَيَقُولُ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَنِ اعْتَقَدَ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ مِنْ حِزْبِ أَبِي جَهْلٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَمَلَئِهِمْ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الْحَاقَّةِ: 44-52] (لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ) كَمَا يَقُولُ الزَّنَادِقَةُ مِنَ الْحُلُولِيَّةِ وَالِاتِّحَادِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، تَعَالَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِهِ مَخْلُوقًا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشُّورَى: 52] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الْأَعْرَافِ: 54] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 83] ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْخَلْقَ غَيْرُ الْأَمْرِ وَأَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ أَمْرِهِ لَا مِنْ خَلْقِهِ وَقَالَ: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النَّحْلِ: 40] ، فَكُنْ مِنْ كَلَامِهِ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَالشَّيْءُ الْمُرَادُ الْمَقُولُ لَهُ (كُنْ) مَخْلُوقٌ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آلِ عِمْرَانَ: 9] ، فَعِيسَى وَآدَمُ مخلوقان بكن و (كن) قَوْلُ اللَّهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ، وَلَيْسَ الشَّيْءُ الْمَخْلُوقُ هُوَ كُنْ، وَلَكِنَّهُ كَانَ بِقَوْلِ اللَّهِ لَهُ كُنْ. وَقَدِ انْعَقَدَ إِجْمَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ قَضَوْا بِالْحَقِّ وَبِهِ كَانُوا يَعْدِلُونَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو قَوْلُهُ مِنْ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ خَلَقَهُ فِي ذَاتِهِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ، أَوْ مُنْفَصِلًا مُسْتَقِلًّا، وَكُلُّ الثَّلَاثِ كُفْرٌ صَرِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إِنْ قَالَ خَلَقَهُ فِي ذَاتِهِ فَقَدْ جَعَلَ ذَاتَهُ مَحَلًّا لِلْمَخْلُوقَاتِ. وَإِنْ قَالَ إِنَّهُ خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ فَهُوَ كَلَامُ ذَلِكَ الْغَيْرِ فَيَكُونُ الْقُرْآنُ عَلَى هَذَا كَلَامَ كُلِّ تَالٍ لَهُ وَهَذَا قَوْلُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فِيمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقَى وَلَا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} [الْمُدَّثِّرِ: 18-29] ، الْآيَاتِ. وَإِنْ قَالَ إِنَّهُ خَلَقَهُ مُنْفَصِلًا مُسْتَقِلًّا فَهَذَا جُحُودٌ لِوُجُودِهِ مُطْلَقًا إِذْ لَا يُعْقَلُ وَلَا يُتَصَوَّرُ كَلَامٌ يَقُومُ بِذَاتِهِ بِدُونِ مُتَكَلِّمٍ، كَمَا لَا يُعْقَلُ سَمْعٌ بِدُونِ سَمِيعٍ وَلَا بَصَرٌ بِدُونِ بَصِيرٍ وَلَا عِلْمٌ بِدُونِ عَالِمٍ وَلَا إِرَادَةٌ بِدُونِ مُرِيدٍ وَلَا حَيَاةٌ بِدُونِ حَيٍّ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَهَذِهِ الثَّلَاثُ لَا خُرُوجَ لِزِنْدِيقٍ مِنْهَا وَلَا جَوَابَ لَهُ عَنْهَا فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، وَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ٤٩

٥٠ اصل القول بخلق القران وَأَوَّلُ مَا اشْتَهَرَ الْقَوْلُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فِي آخِرِ عَصْرِ التَّابِعِينَ لَمَّا ظَهَرَ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ. شَقِيقُ إِبْلِيسَ لَعَنَهُمَا اللَّهُ وَكَانَ مُلْحِدًا عَنِيدًا وَزِنْدِيقًا زَائِغًا مُبْتَغِيًا غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُثْبِتْ أَنَّ فِي السَّمَاءِ رَبًّا وَلَا يَصِفُ اللَّهَ تَعَالَى بِشَيْءٍ مِمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَيَنْتَهِي قَوْلُهُ إِلَى جُحُودِ الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ. تَرَكَ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَزْعُمُ يَرْتَادُ دِينًا وَلَمَّا ناظره بعض السمنية! فِي مَعْبُودِهِ قَالَ قَبَّحَهُ اللَّهُ: هُوَ هَذَا الْهَوَاءُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَافْتَتَحَ مَرَّةً سُورَةَ طه فَلَمَّا أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] قَالَ: لَوْ وَجَدْتُ السَّبِيلَ إِلَى حَكِّهَا لَحَكَكْتُهَا، ثُمَّ قَرَأَ حَتَّى أَتَى عَلَى آيَةٍ أُخْرَى فَقَالَ: مَا كَانَ أَظْرَفَ مُحَمَّدًا حِينَ قَالَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ سُورَةَ الْقَصَصِ فَلَمَّا أَتَى عَلَى ذِكْرِ مُوسَى جَمَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَ الْمُصْحَفَ ثُمَّ قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ هذا ذكره ههنا فَلَمْ يُتِمَّ ذكره، وذكره ههنا فَلَمْ يُتِمَّ ذِكْرَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا مِنَ الْكُفْرِيَّاتِ، وَهُوَ أَذَلُّ وَأَحْقَرُ مِنْ أَنْ نَشْتَغِلَ بِتَرْجَمَتِهِ. وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَبْحَهُ عَلَى يَدِ سَالِمِ بْنِ أَحْوَزَ بَأَصْبَهَانَ وَقِيلَ بِمَرْوَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ نَائِبُهَا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجَزَاهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا. وَقَدْ تَلَقَّى هَذَا الْقَوْلَ عَنِ الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ فِي أَيَّامِ الْجَعْدِ كَمَا اشْتَهَرَ عَنِ الْجَهْمِ، فَإِنَّ الْجَعْدَ لَمَّا أَظْهَرَ الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ تَطَلَّبَهُ بَنُو أُمَيَّةَ فَهَرَبَ مِنْهُمْ فَسَكَنَ الْكُوفَةَ فَلَقِيَهُ فِيهَا الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ فَتَقَلَّدَ هَذَا الْقَوْلَ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كَثِيرُ أَتْبَاعٍ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى قَتْلَ الْجَعْدِ عَلَى يَدِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ الْأَمِيرِ، قَتَلَهُ يَوْمَ عِيدِ الْأَضْحَى بِالْكُوفَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ خَالِدًا خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ تِلْكَ: أَيُّهَا النَّاسُ ضَحُّوا تَقَبَّلَ اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ الْجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا. ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ، رَوَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ لَهُ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ التَّوَارِيخِ، وَذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. وَقَدْ أَخَذَ الْجَعْدُ بِدْعَتَهُ هَذِهِ عَنْ بَيَانِ بْنِ سَمْعَانَ، وَأَخَذَهَا بيان عن طالون ابْنِ أُخْتِ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ، وَأَخَذَهَا طَالُوتُ عَنْ خَالِهِ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيِّ الَّذِي سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ سُورَةَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ. ثُمَّ تَقَلَّدَ هَذَا الْمَذْهَبَ الْمَخْذُولَ عَنِ الْجَهْمِ بِشْرُ بْنُ غِيَاثِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ الْمِرِّيسِيُّ الْمُتَكَلِّمُ، شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَحَدُ مَنْ أَضَلَّ الْمَأْمُونَ وَجَدَّدَ الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَيُقَالُ إِنَّ أَبَاهُ كَانَ يَهُودِيًّا صَبَّاغًا بِالْكُوفَةِ، وروى عنه أقاول شَنِيعَةٌ فِي الدِّينِ مِنَ التَّجَهُّمِ وَغَيْرِهِ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ. ثُمَّ تَقَلَّدَ عَنْ بِشْرٍ ذَلِكَ الْمَذْهَبَ الْمَلْعُونَ قَاضِي الْمِحْنَةِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُوَادَ وَأَعْلَنَ بِمَذْهَبِ الْجَهْمِيَّةِ وَحَمَلَ السُّلْطَانَ عَلَى امْتِحَانِ النَّاسِ بِالْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَعَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَكَانَ بِسَبَبِهِ مَا كَانَ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الْحَبْسِ وَالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْفَالِجِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ حَتَّى أَهْلَكَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ. وَمَنْ أَرَادَ الِاطِّلَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَتَفَاصِيلِهِ فَلْيَقْرَأْ كُتُبَ التَّوَارِيخِ يَرَ الْعَجَبَ. ٥٠

٥١ ذكر ما قاله ايمة السنة في مسالة القران وحكم الجهمية قَالَ إِمَامُ السُّنَّةِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ عِنْدَنَا كَافِرٌ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ وَفِيهِ أَسْمَاءُ اللَّهِ، وَقَالَ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ الْعِلْمُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ عِلْمٌ حَتَّى خَلَقَهُ، وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ قَالَ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ عِنْدَنَا كَافِرٌ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [آلِ عِمْرَانَ: 61] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [الْبَقَرَةِ: 120] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتِ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [الْبَقَرَةِ: 145] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ} [هُودٍ: 17] . قَالَ أَحْمَدُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَالْأَحْزَابُ الْمِلَلُ كُلُّهَا: {فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يَنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} [الرَّعْدِ: 36] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} [الرَّعْدِ: 37] ، وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ قَالَ ذَاكَ الْقَوْلَ لَا يُصَلَّى خَلْفَهُ الْجُمُعَةُ وَلَا غَيْرُهَا، فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَعَادَ الصَّلَاةَ. يَعْنِي مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِذَا كَانَ الْقَاضِي جَهْمِيًّا فَلَا تَشْهَدْ عِنْدَهُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ: الْجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ وَالْقَدَرِيَّةُ كفار. وقال سليمان التَّيْمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسَ قَوْمٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِلْإِسْلَامِ مَنِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، فَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ فَقَدْ بَارَزُوا اللَّهَ. وَأَمَّا الْقَدَرِيَّةُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي اللَّهِ، وَقَالَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ: الْجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ لَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ، وَقَالَ خَارِجَةُ: الْجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ بَلِّغُوا نِسَاءَهُمْ أَنَّهُنَّ طَوَالِقُ وَأَنَّهُنَّ لَا يَحْلِلْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ. لَا تَعُودُوا مَرْضَاهُمْ وَلَا تَشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ. ثُمَّ تَلَا: {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} إِلَى قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ يُوجَعُ ضَرْبًا وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ: {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ زِنْدِيقٌ حَلَالُ الدَّمِ، وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ قَالَ إِنَّ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي: صِنْفَانِ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَرٌّ مِنْهُمَا الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُقَاتِلِيَّةُ. قُلْتُ: وَأَظُنُّهُ يَعْنِي بِالْمُقَاتِلِيَّةِ أَتْبَاعَ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَلْخِيِّ فَإِنَّهُ رَمَاهُ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ بِالتَّشْبِيهِ، فَإِنَّهُ قَالَ أَفْرَطَ جَهْمٌ فِي نَفْيِ التَّشْبِيهِ حَتَّى قَالَ إِنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَفْرَطَ مُقَاتِلٌ فِي مَعْنَى الْإِثْبَاتِ حَتَّى جَعَلَهُ مِثْلَ خَلْقِهِ، وَتَابَعَ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِنْ أَقْرَانِهِ كَأَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ حَتَّى قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَأْخُذُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ عِلْمِ الْقُرْآنِ الَّذِي يُوَافِقُ كُتُبَهُمْ، وَكَانَ يُشَبِّهُ الرَّبَّ بِالْمَخْلُوقِ، وَكَذَّبَهُ وَكِيعٌ وَغَيْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ، قَالَ وَكِيعٌ: مَاتَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: الْجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ وَقَالَ: لَيْسَ تَعَبُّدُ الْجَهْمِيَّةِ شَيْئًا. وَقَالَ: مَنْ قال القرآن المخلوق فَهُوَ زِنْدِيقٌ، وَقَالَ: إِنَّا نَسْتَجِيزُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا نَسْتَجِيزُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ، مَنْ قَالَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَالَ: مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ يَحْتَاجُ أَنْ يُصْلَبَ عَلَى ذياب، يعني جبل، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ سُئِلَ، مَا تَقُولُ فِي الْجَهْمِيَّةِ يُصَلَّى خَلْفَهُمْ؟ فَقَالَ: أَمُسْلِمُونَ هَؤُلَاءِ، أَمُسْلِمُونَ هَؤُلَاءِ؟ لَا وَلَا كَرَامَةَ لَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ. وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ قِبَلَنَا نَاسًا يَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، فَقَالَ مِنَ الْيَهُودِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَمِنَ النَّصَارَى قَالَ: لَا قَالَ: فَمِنَ الْمَجُوسِ قَالَ: لَا قَالَ: فَمَنْ؟ قَالَ: مِنَ الْمُوَحِّدِينَ. قَالَ: كَذَبُوا لَيْسَ هَؤُلَاءِ بِمُوَحِّدِينَ هَؤُلَاءِ زَنَادِقَةٌ هَؤُلَاءِ زَنَادِقَةٌ. وَقَرَأَ ابْنُ إِدْرِيسَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فَقَالَ: اللَّهُ مَخْلُوقٌ؟ وَالرَّحْمَنُ مَخْلُوقٌ؟ وَالرَّحِيمُ مَخْلُوقٌ؟ هَؤُلَاءِ زَنَادِقَةٌ. وَسُئِلَ عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، فَاسْتَشْنَعَ ذَلِكَ وَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ شَيْءٌ مِنْهُ مَخْلُوقٌ. وَقَالَ وَكِيعٌ فَإِنِّي أَسْتَتِيبُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْتُهُ وَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ مُحْدَثٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُحْدَثٌ فَقَدْ كَفَرَ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ فُلَانًا يَقُولُ إِنَّ الْقُرْآنَ مُحْدَثٌ. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا الْكُفْرُ. قَالَ السُّوَيْدِيُّ: وَسَأَلْتُ وَكِيعًا عَنِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْجَهْمِيَّةِ، فَقَالَ: لَا تُصَلِّ خَلْفَهُمْ. وَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ مُحْدَثٌ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: اخْتَصَمْتُ أَنَا وَمُثَنَّى فَقَالَ مُثَنَّى: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، وَقُلْتُ أَنَا: كَلَامُ اللَّهِ، فَقَالَ: وَكِيعٌ وَأَنَا أَسْمَعُ: هَذَا كُفْرٌ وَقَالَ: مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ هَذَا كُفْرٌ. فَقَالَ مُثَنَّى: يَا أَبَا سُفْيَانَ قَالَ اللَّهُ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] ، فَأَيْشِ هَذَا؟ فَقَالَ وَكِيعٌ: مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ هَذَا كُفْرٌ، وَقَالَ: مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّ صَاحِبِ هَوًى يَعْرِفُ اللَّهَ وَيَعْرِفُ مَنْ يَعْبُدُ، إِلَّا الْجَهْمِيَّةَ لَا يَدْرُونَ مَنْ يَعْبُدُونَ، بِشْرٌ الْمِرِّيسِيُّ وَأَصْحَابُهُ. وَقِيلَ لِوَكِيعٍ فِي ذَبَائِحِ الْجَهْمِيَّةِ قَالَ: لَا تُوكَلُ هُمْ مُرْتَدُّونَ. وَقَالَ: مَنْ قَالَ إِنَّ كَلَامَهُ لَيْسَ مِنْهُ فَقَدْ كَفَرَ، وَقَالَ: مَنْ قَالَ إِنَّ مِنْهُ شَيْئًا مَخْلُوقًا فَقَدْ كَفَرَ. وَقَالَ فِطْرُ بْنُ حَمَّادٍ سَأَلْتُ مُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَانَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِمَامٌ لِقَوْمٍ يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ أُصَلِّي خَلْفَهُ؟ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَضْرِبَ عُنُقَهُ. قَالَ فِطْرٌ: وَسَأَلْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ إِمَامٌ لَنَا يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ أُصَلِّي خَلْفَهُ؟ فَقَالَ: صَلِّ خَلْفَ مُسْلِمٍ أَحَبُّ إِلَيَّ. وَسَأَلْتُ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ إِمَامٌ لِقَوْمٍ يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ أُصَلِّي خَلْفَهُ؟ قَالَ: لَا وَلَا كَرَامَةَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَقَالَ مَرَّةً: لَا أَرَى أَنْ أَسْتَتِيبَ الْجَهْمِيَّةَ. وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَوْ كَانَ لِي مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ لَقُمْتُ عَلَى الْجِسْرِ فَلَا يَمُرُّ بِي أَحَدٌ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنِ الْقُرْآنِ فَإِنْ قَالَ مَخْلُوقٌ ضَرَبْتُ رَأْسَهُ وَرَمَيْتُ بِهِ فِي الْمَاءِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَسْوَدِ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا جَهْمِيًّا مَاتَ وَأَنَا وَارِثُهُ مَا اسْتَحْلَلْتُ أَنْ آخُذَ مِنْ مِيرَاثِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي: جِيئُونِي بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى الْمِرِّيسِيِّ، وَاللَّهِ لَأَمْلَأَنَّ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ بِالسِّيَاطِ، يَقُولُ فِي الْقُرْآنِ، يَعْنِي مَخْلُوقٌ. وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَذَكَرَ الْجَهْمِيَّةَ فَقَالَ: هُمْ وَاللَّهِ زَنَادِقَةٌ، عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ. وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ زِنْدِيقٌ. وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ قَالَ: لَا، وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ: مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ: اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمِرِّيسِيَّ كَافِرٌ جَاحِدٌ نَرَى أَنْ يُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَكَانَ أَبُو تَوْبَةَ الْحَلَبِيُّ وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ يُكَفِّرُونَ الْجَهْمِيَّةَ. وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ: لَا تُجَالِسُوهُمْ وَلَا تُكَلِّمُوهُمْ، وَإِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ كَيْفَ يَرْجِعُونَ وَأَنْتُمْ تَفْعَلُونَ بِهِمْ هَذَا؟ قَالَ يَعْنِي الْجَهْمِيَّةَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ، مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ. هَذَا كَلَامُ الزَّنَادِقَةِ. وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ العوام: كلمت بشر الْمِرِّيسِيَّ وَأَصْحَابَهُ فَرَأَيْتُ آخِرَ كَلَامِهِمْ يَنْتَهِي أَنْ يَقُولُوا: لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ هَارُونُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: بَلَغَنِي أَنَّ بِشْرًا الْمِرِّيسِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، لِلَّهِ عَلَيَّ، إِنْ أَظْفَرَنِي اللَّهُ بِهِ إِلَّا قَتَلْتُهُ قِتْلَةً مَا قَتَلْتُهَا أَحَدًا قَطُّ. وَقَالَ هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ: مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ يَعْبُدُ صَنَمًا. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ رَجُلٌ لِهُشَيْمٍ: إِنَّ فُلَانًا يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ. فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَيْهِ فَاقْرَأْ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْحَدِيدِ وَآخِرَ الْحَشْرِ، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا مَخْلُوقَانِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ. وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ الْغَسَّانِيُّ مِثْلَهُ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَقَدِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ، وَقَالَ عَلَيْهِ مَا لَمْ تَقُلْهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ الْبُهْلُولِ لِأَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ أَبِي ضَمْرَةَ: أُصَلِّي خَلْفَ الْجَهْمِيَّةِ؟ قَالَ: لَا {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: 85] ، وَسُئِلَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّنْ يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَقَالَ: كَافِرٌ أَوْ كَفَرَ، فَقِيلَ لَهُ: تُكَفِّرُهُمْ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ؟ قَالَ: إِنَّ هَذَا مِنْ أَيْسَرِ أَوْ أَحْسَنِ مَا يُظْهِرُونَ. وَكَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُعِيدُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ مُذْ أَظْهَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَارُونَ الْمَأْمُونُ مَا أَظْهَرَ، يَعْنِي الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَشْكَابَ وَعَاصِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ وَهَارُونُ الْفَرْوِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ. وَسُئِلَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ الْقُرْآنِ فَقَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقُرْآنِ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عَنِ الْقُرْآنِ فَقَالَ: كِتَابُ اللَّهِ وَكَلَامُهُ. وَعَنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ وَوَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ وَأَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ ابن الْقَاسِمِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ قَالُوا: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: لَا نُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}، {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالْمَدِينَةِ، وَذَكَرُوا الْقُرْآنَ فَقَالُوا: كَلَامُ اللَّهِ وَهُوَ مِنْهُ وَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ شَيْءٌ مَخْلُوقٌ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَقَدِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ. وَقَالَ وَكِيعٌ: الْقُرْآنُ مِنَ اللَّهِ مِنْهُ خَرَجَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: كَيْفَ يَصْنَعُونَ بَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، كَيْفَ يَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ {إِنِّي أَنَا اللَّهُ} يَكُونُ مَخْلُوقًا؟ وَقَالَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ وَابْنُ أَبِي إِدْرِيسَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَخُوهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو عُمَرَ الشَّيْبَانِيُّ وَيَحْيَى ابن أَيُّوبَ وَأَبُو الْوَلِيدِ وَحَجَّاجٌ الْأَنْمَاطِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، وَأَبُو مَعْمَرٍ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ-وَقَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ- فَقَالَ الشَّيْبَانِيُّ: خَلَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ به أو بعدما تَكَلَّمَ بِهِ؟ قَالَ: فَسَكَتَ. وَقَالَ حَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فَقَالَ حَسَنٌ: مَخْلُوقٌ هَذَا؟ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، أَعُوذُ بِاللَّهِ. مِنْ كِتَابِ السُّنَّةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَصِيَّتِهِ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَقَالَ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ- لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ- قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أَمَخْلُوقٌ هَذَا؟ أَدْرَكْتُ شُعْبَةَ وَحَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ وَأَصْحَابَ الْحَسَنِ يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ مَخْلُوقًا. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ آيَةً مَخْلُوقَةً فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} فَقَالَ: مُحْدَثٌ إِلَيْنَا، وَلَيْسَ عِنْدَ اللَّهِ بِمُحْدَثٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافٌ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ شَيْءٌ خَرَجَ مِنَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ مَخْلُوقًا؟. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ: مَنْ قَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ الْكُفْرُ كُفْرَانِ: كُفْرُ نِعْمَةٍ وَكُفْرٌ بِالرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: لَا، بَلْ كُفْرٌ بِالرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، مَا تَقُولُ فِيمَنْ يَقُولُ {اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} مَخْلُوقٌ أَلَيْسَ كَافِرًا هُوَ؟. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَيْشِيُّ: يَسْتَحِيلُ فِي صِفَةِ الْحَكِيمِ أَنْ يَخْلُقَ كَلَامًا يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ، يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} وَقَوْلَهُ: {أَنَا رَبُّكَ}. قُلْتُ: وَالْمُعْتَزِلَةُ يَقُولُونَ: إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ لِمُوسَى خَلَقَهُ فِي الشَّجَرَةِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الشَّجَرَةُ هِيَ الْقَائِلَةُ: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} قَبَّحَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ وَحَيْثُ تَصَرَّفَ. وَأَمَّا كَلَامُ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَتَانَتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى تَعْرِيفٍ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ (كِتَابُ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ) وَقَدْ بَوَّبَ فِي صَحِيحِهِ عَلَى جُمْلَةٍ وَافِيَةٍ تَدُلُّ عَلَى غَزَارَةِ عِلْمِهِ وَجَلَالَةِ شَأْنِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ: أَدْرَكْنَا الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ فكان من مذاهبم أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِجَمِيعِ جِهَاتِهِ، وَالْقَدَرُ خَيْرُهُ وَشَرُّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ بِلَا كَيْفٍ، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ الطُوسِيُّ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ أَيْنَمَا تُلِيَ وَحَيْثُمَا كُتِبَ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَتَحَوَّلُ وَلَا يَتَبَدَّلُ. مِنَ الْعُلُوِّ لِلذَّهَبِيِّ. وَقَالَ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ بَعْدَ تَبْوِيبِهِ عَلَى تَكْلِيمِ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَتَكَلُّمِ اللَّهِ بِالْوَحْيِ وَصِفَةِ نُزُولِ الْوَحْيِ وَتَكْلِيمِ اللَّهِ عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَقْرِيرِ الْبَحْثِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ فِي كِتَابِ رَبِّنَا الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ سُنَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي بِهِ يَكُونُ خَلْقُهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ الَّذِي يَكُونُ بِكَلَامِهِ وَقَوْلِهِ، وَالدَّلِيلِ عَلَى نَبْذِ قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقٌ، جَلَّ رَبُّنَا وَعَزَّ عَنْ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الْأَعْرَافِ: 54] ، فَفَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ الَّذِي بِهِ يَخْلُقُ الْخَلْقَ بِوَاوِ الِاسْتِئْنَافِ وَأَعْلَمَنَا اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ أَنَّهُ يَخْلُقُ الْخَلْقَ بِكَلَامِهِ وَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النَّحْلِ: 40] ، فَأَعْلَمَنَا جَلَّ وَعَلَا أَنَّهُ يُكَوِّنُ كُلَّ مُكَوَّنٍ مِنْ خَلْقِهِ بِقَوْلِهِ كُنْ فَيَكُونُ وَقَوْلُهُ {كُنْ} هُوَ كَلَامُهُ الَّذِي بِهِ يَكُونُ الْخَلْقُ، وَكَلَامُهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي بِهِ يَكُونُ الْخَلْقُ غَيْرَ الْخَلْقِ، الَّذِي يَكُونُ مُكَوَّنًا بِكَلَامِهِ فَافْهَمْ وَلَا تَغْلَطْ وَلَا تُغَالِطْ، وَمَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ خِطَابَهُ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَعْلَمَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ بِقَوْلِهِ كُنْ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي هُوَ كُنْ غَيْرُ الْمُكَوَّنِ بِكُنِ الْمَقُولِ لَهُ كُنْ، وَعَقَلَ عَنِ اللَّهِ أَنَّ قَوْلَهُ كُنْ لَوْ كَانَ خلقا على مَا زَعَمَتِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُفْتَرِيَّةُ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَخْلُقُ الْخَلْقَ وَيُكَوِّنُهُ بِخَلْقٍ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ كُنْ خَلْقًا، فَيُقَالُ لَهُمْ: يَا جَهَلَةُ، فَالْقَوْلُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْخَلْقُ عَلَى زَعْمِكُمْ لَوْ كَانَ خَلْقًا بِمَ يَكُونُهُ؟ أَلَيْسَ قَوْدُ مَقَالَتِكُمُ الَّتِي تَزْعُمُونَ أَنَّ قَوْلَهُ كُنْ إِنَّمَا يَخْلُقُهُ بِقَوْلٍ قَبْلَهُ وَهُوَ عِنْدَكُمْ خَلَقُهُ وَذَلِكَ الْقَوْلُ يَخْلُقُهُ بِقَوْلٍ قَبْلَهُ وَهُوَ خَلْقٌ حَتَّى يَصِيرَ إِلَى مَا لَا غَايَةَ لَهُ وَلَا عَدَدَ وَلَا أَوَّلَ، وَفِي هَذَا إِبْطَالِ تَكْوِينِ الْخَلْقِ وَإِنْشَاءِ الْبَرِّيَّةِ وَإِحْدَاثُ مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلُ، بِحَدَثِ اللَّهِ الشَّيْءَ وَنَشْئِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَتَوَهَّمُهُ ذُو لُبٍّ لَوْ تَفَكَّرَ فِيهِ وَوُفِّقَ لِإِدْرَاكِ الصَّوَابِ وَالرَّشَادِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} [الْأَعْرَافِ: 54] ، فَهَلْ يَتَوَهَّمُ مُسْلِمٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ، بِخَلْقِهِ أَلَيْسَ مَفْهُومًا-عِنْدَ مَنْ يَعْقِلُ عَنِ اللَّهِ خِطَابَهُ- أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي سَخَّرَ بِهِ غَيْرُ الْمُسَخَّرِ بِالْأَمْرِ وَأَنَّ الْقَوْلَ غَيْرُ الْمَقُولِ لَهُ؟ فَتَفَهَّمُوا يَا ذَوِي الْحِجَا عَنِ اللَّهِ خِطَابَهُ، وَعَنِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانَهُ، لَا تَصُدُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ فَتَضِلُّوا كَمَا ضَلَّتِ الْجَهْمِيَّةُ عَلَيْهِمْ لِعَائِنُ اللَّهِ، فَاسْمَعُوا الْآنَ الدَّلِيلَ الْوَاضِحَ الْبَيِّنَ غَيْرَ الْمُشْكِلِ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ مَوْصُولًا إِلَيْهِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ خَلْقِ اللَّهِ وَبَيْنَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ سَاقَ الْأَحَادِيثَ فِي ذِكْرِ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى حَدِيثِ: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ»، ثُمَّ قَالَ: أَفَلَيْسَ الْعِلْمُ مُحِيطًا يَا ذَوِي الْحِجَا أَنَّهُ غَيْرُ جائز أن يأمر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّعَوُّذِ بِخَلْقِ اللَّهِ مِنْ شَرِّ خَلْقِهِ، هَلْ سَمِعْتَ عَالِمًا يُجِيزُ أَنْ يَقُولَ أَعُوذُ بِالْكَعْبَةِ مِنْ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ، أَوْ يُجِيزُ أَنْ يَقُولَ أَعُوذُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَوْ أعوذ بعرفات أو منى مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ اللَّهُ، هَذَا لَا يَقُولُهُ وَلَا يُجِيزُ الْقَوْلَ بِهِ مُسْلِمٌ يَعْرِفُ دِينَ اللَّهِ، مُحَالٌ أَنْ يَسْتَعِيذَ مُسْلِمٌ بِخَلْقِ اللَّهِ مِنْ شَرِّ خَلْقِهِ. ثُمَّ سَاقَ بَحْثًا طَوِيلًا فَلْيُرَاجَعْ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْكَلَامُ فِيهِ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ، مَا تَكَلَّمَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَا التَّابِعُونَ وَلَا الصَّالِحُونَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. يَعْنِي قَوْلَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ. وَذُكِرَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ مَنْ يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا حَتَّى خَرَجَ ذَاكَ الْخَبِيثُ جَهْمٌ. وَكَلَامُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ يَطُولُ ذِكْرُهُ وَلَوْ أَرَدْنَا اسْتِيعَابَهُ لَطَالَ الْفَصْلُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ عَلَى إِثْبَاتِ مَا أَثْبَتَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- لِنَفْسِهِ، وَأَثْبَتَهُ رَسُولُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَنَفَى التَّكْيِيفَ عَنْهَا لَا سِيَّمَا فِي مَسْأَلَةِ الْعُلُوِّ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ، وَتَكْلِيمِ اللَّهِ- تَعَالَى- مُوسَى ; لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَا جَحَدَهُ الزَّنَادِقَةُ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي ذِكْرِ مَنْ سَمَّيْنَا كِفَايَةٌ، وَمَنْ لَمْ نُسَمِّ مِنْهُمْ أَضْعَافُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمُ اثْنَانِ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، مِنَ اللَّهِ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ. وَتَقَلَّدُوا كُفْرَ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَمَنَعُوا الصَّلَاةَ خَلْفَهُ وَأَفْتَوْا بِضَرْبِ عُنُقِهِ وَبِتَحْرِيمِ مِيرَاثِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَحَرَّمُوا ذَبِيحَتَهُ وَجَزَمُوا بِأَنَّهَا ذَبِيحَةُ مُرْتَدٍّ لَا تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ. فَانْظُرْ أَيُّهَا الْمُنْصِفُ أَقْوَالَهُمْ ثُمَّ اعْرِضْهَا عَلَى نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هَلْ تَجِدُهُمْ حَادُوا عَنْهَا قِيدَ شِبْرٍ، أَوْ قَدَّمُوا عَلَيْهَا قَوْلَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ كَائِنًا مَنْ كَانَ؟ حَاشَا وَكَلَّا وَمَعَاذَ اللَّهِ، بَلْ بِهَا اقْتَدَوْا وَمِنْهَا تَضَلَّعُوا، وَبِنُورِهَا اسْتَضَاءُوا وَإِيَّاهَا اتَّبَعُوا، فَهَدَاهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ لِمَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. هَذَا مَقَالُ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعِهِمْ * وَعِصَابَةِ التَّوْحِيدِ أَعْلَامِ الْهُدَى الْكَاشِفِينَ عَوَارَ كُلِّ مشبه * والقامعين لكل مَنْ قَدْ أَلْحَدَازَنْ قَوْلَهُمْ بِالْوَحْيِ، وَانْظُرْ هَلْ تَرَى * مَيْلًا لَهُمْ عَمَّا إِلَيْهِ أَرْشَدَا حَاشَاهُمُ عَنْ أَنْ يَمِيلُوا خُطْوَةً * عَمَّا إِلَيْهِ اللَّهُ إِيَّاهُمْ هَدَ ىبَلْ أَثْبَتُوا لِلَّهِ مَا قَدْ أَثْبَتَتْ * آيُ الْكِتَابِ وَكُلُّ نَصٍّ أُسْنِدَا ومن النفاة تبرءوا وَكَذَاكَ مِنْ * قَوْلِ الْمُمَثِّلِ إِذْ تَغَالَى وَاعْتَدَ ىجَعَلُوا إِمَامَهُمُ الْكِتَابَ وَسُنَّةَ * الْمُخْتَارِ يَا طُوبَى لِمَنْ بِهِمَا اهْتَدَى وَلِذَاكَ أَعْلَى اللَّهُ جَلَّ مَنَارَهُمْ * وَالْمُلْحِدُونَ بِنَاءَهُمْ قَدْ هَدَّدَا وَأَتَمَّ نُورَهُمُ الْإِلَهُ وَغَيْرُهُمْ * فِي ظُلْمَةٍ إِذْ لَمْ يَكُنْ بِهِمُ اقْتَدَىيَا رَبِّ أَلْحِقْنَا بِهِمْ وَاجْعَلْ لَنَا * نُورًا نَمِيزُ بِهِ الضَّلَالَ مِنَ الْهُدَى وَقَضَى السَّلَفُ الصَّالِحُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الطَّائِفَةِ الْوَاقِفَةِ وَهُمُ الْقَائِلُونَ: لَا نَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَلَا غَيْرُ مَخْلُوقٍ، بِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يُحْسِنُ الْكَلَامَ فَهُوَ جَهْمِيٌّ وَمَنْ لَمْ يُحْسِنِ الْكَلَامَ مِنْهُمْ بَلْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ جَاهِلًا جَهْلًا بَسِيطًا فَهُوَ تُقَامُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِالْبَيَانِ وَالْبُرْهَانِ، فَإِنْ تَابَ وَآمَنَ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَّا فَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْكَلَامُ عَلَى اللَّفْظِيَّةِ قَرِيبًا وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْفَصْلِ سَائِرَ الْفِرَقِ الْمُخَالِفِينَ لِلسُّنَّةِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّا أَحْبَبْنَا تَجْرِيدَ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى حِدَتِهِ لِقَصْدِ التَّيْسِيرِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. ٥١
٤:٣٩ ص



٥٢ عود الى حديث النزول (وَلَا بِمُفْتَرَى) أَيْ: وَلَيْسَ الْقُرْآنُ بِمُفْتَرًى كَمَا قَالَهُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ قَالُوا فِيهِ: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [الْمُدَّثِّرِ: 24] ، وَقَالُوا: {إِنَّ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ} [الْفُرْقَانِ: 4] ، {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} [الفرقان: 5] ، و{يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النَّحْلِ: 103] ، وَقَالُوا: شِعْرٌ، وَقَالُوا: كَهَانَةٌ، وَقَالُوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص: 7] ، وَقَالُوا: {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} [الْأَنْفَالِ: 31] ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مُفْتَرَيَاتِهِمْ وَإِفْكِهِمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا قَالُوهُ عِنَادًا وَمُكَابَرَةً {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النَّمْلِ: 14] ، وَقَدْ كَشَفَ اللَّهُ تَعَالَى شُبَهَهُمْ وَأَدْحَضَ حُجَجَهُمْ وَبَهَتَهُمْ وَقَطَعَهُمْ وَفَضَحَهُمْ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَبَيَّنَ عَجْزَهُمْ وَكَشَفَ عَوَارَهُمْ فِي جَمِيعِ مَا انْتَحَلُوا فَقَالَ تَعَالَى لِمَنْ قَالَ: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} فَرَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: {فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا} {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} فَرَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} فَرَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: 103] . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ يُشِيرُونَ بِهَذَا إِلَى رَجُلٍ أَعْجَمِيٍّ كَانَ بين ظهرهم غلام لِبَعْضِ بُطُونِ قُرَيْشٍ قِيلَ اسْمُهُ بَلْعَامُ، وَقِيلَ يَعِيشُ وَقِيلَ عَائِشٌ وَقِيلَ جَبْرٌ وَقِيلَ يَسَارٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ وَيُكَلِّمُهُ بَعْضَ الشَّيْءِ، فَرَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ الِافْتِرَاءَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النَّحْلِ: 103] ، أَيْ: فَكَيْفَ يَتَعَلَّمُ مَنْ جَاءَ بِهَذَا الْقُرْآنِ فِي فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَمَعَانِيهِ التَّامَّةِ الشَّامِلَةِ الَّتِي هِيَ أَكْمَلُ مِنْ مَعَانِي كُلِّ كِتَابٍ نَزَلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَيْفَ يَتَعَلَّمُ مِنْ رَجُلٍ أَعْجَمِيٍّ؟ لَا يَقُولُ هَذَا مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ، وَقَالَ فِي رَدِّ قَوْلِهِمْ شِعْرٌ وَكَهَانَةٌ: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس: 69-70] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الطُّورِ: 29-33] ، الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [الْحَاقَّةِ: 41-48] ، إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى لِمَنْ قَالَ: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا} [ص: 7-8] ، فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} [ص: 8-9] ، إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. وَرَدَّ عَلَيْهِمْ تَعَالَى فِي قَوْلِهِمْ: {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الْإِسْرَاءِ: 88] ، وَقَدْ تَحَدَّاهُمْ تَعَالَى عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ أَوْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَبَانَ كَذِبُهُمْ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطُّورِ: 33] ، وَقَالَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هُودٍ: 13-14] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [الْبَقَرَةِ: 23-24] ، فَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَمْ يَطْمَعُوا فِي شَيْءٍ مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُمْ فُحُولُ اللُّغَةِ وَفُرْسَانُ الْفَصَاحَةِ وَأَهْلُ الْبَلَاغَةِ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِنَثْرِ الكلام ونظمه وهجزه وَرَجَزِهِ، مَعَ شِدَّةِ مُعَانَدَتِهِمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ وَحِرْصِهِمْ عَلَى مُعَارَضَتِهِ بِكُلِّ مُمْكِنٍ، وَلَكِنْ جَاءَهُمْ مَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ وَأَتَاهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ، كَلَامُ ذِي الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ وَالْكَمَالِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَرَبِّ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى مِنْ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى وَالْمَثَلُ الْأَعْلَى، الَّذِي لَا سَمِيَّ لَهُ وَلَا كُفُوَ لَهُ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، فَلَمَّا رَأَوْا وُجُوهَ إِيجَازِهِ وَإِعْجَازِهِ وَمَبَانِيَهُ الْكَامِلَةَ وَمَعَانِيَهُ الشَّامِلَةَ، وَإِخْبَارَهُ عَنِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَالْأَحْكَامِ الْوَاقِعَةِ، وَنَبَأِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالتَّهْدِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ وَأَوْضَحِ بَيَانٍ وَأَعْلَى قَصَصٍ وَأَعْظَمِ بُرْهَانٍ، عَلِمُوا أنه ليس بكلام الْمَخْلُوقِينَ وَلَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ وَعَلِمُوا أَنَّهُ الْحَقُّ، وَإِنَّمَا رَمَوْهُ بِالْإِفْكِ وَالْبُهْتَانِ بِقَوْلِهِمْ: كَاهِنٌ شَاعِرٌ مَجْنُونٌ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ مُكَابَرَةٌ وَعِنَادٌ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الْوَلِيدِ وَعُتْبَةَ وَأَبِي جَهْلٍ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ وَغَيْرِهِمْ، وَلَوْ كَانَ تَقَوَّلَهُ كَمَا زَعَمُوا هُمْ لَاسْتَطَاعُوا مُعَارَضَتَهُ وَلَمْ يَنْقَطِعُوا عَنْ مُقَاوَمَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ عَرَبٌ فُصَحَاءُ مِثْلُهُ عَارِفُونَ بِوُجُوهِ الْبَلَاغَةِ كُلِّهَا لَا يَجْهَلُونَ مِنْهَا شَيْئًا، وَلَمَا عَدَلُوا إِلَى الْمُكَابَرَةِ وَالتَّبَجُّحِ بِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ أَمْقَتُ شَيْءٍ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ، وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ، وَتِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلَتْ: 42] ، فَلَا يَأْتِي مُبْطِلٌ بِشُبْهَةٍ إِلَّا وَفِيهِ إِزْهَاقُ بَاطِلِهِ وَكَشْفُ شُبْهَتِهِ وَإِدْحَاضُ حُجَّتِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ مَنْ عَرَفَ مَوَاقِعَ النُّزُولِ، وَيَكْفِيكَ في ذلك قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الْفُرْقَانِ: 33] يُحْفَظُ بِالْقَلْبِ وَبِاللِّسَانِ * يُتْلَى كَمَا يُسْمَعُ بِالْآذَانِ كَذَا بِالَابْصَارِ إِلَيْهِ يُنْظَرُ * وَبِالْأَيَادِي خَطُّهُ يُسَطَّرُ وَكُلُّ ذِي مَخْلُوقَةٌ حَقِيقَهْ * دُونَ كَلَامِ بَارِئِ الْخَلِيقَهْ جَلَّتْ صِفَاتُ رَبِّنَا الرَّحْمَنِ * عَنْ وَصْفِهَا بِالْخَلْقِ وَالْحَدَثَانِ فَالصَّوْتُ وَالْأَلْحَانُ صَوْتُ الْقَارِي * لَكِنَّمَا الْمَتْلُوُّ قَوْلُ الْبَارِي مَا قَالَهُ لَا يَقْبَلُ التَّبْدِيلَا * كَلَّا وَلَا أَصْدَقُ مِنْهُ قِيلًا (يُحْفَظُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيِ: الْقُرْآنُ (بِالْقَلْبِ) كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشُّعَرَاءِ: 193] ، وَقَالَ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 49] ، وَقَالَ: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الْأَعْلَى: 6] ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرَابِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَهُمْ ذَوُو عَدَدٍ، فَاسْتَقْرَأَهُمْ فَاسْتَقْرَأَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ-يَعْنِي مَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ- فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا فَقَالَ: «مَا مَعَكَ يَا فُلَانُ» فَقَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا وَسُورَةُ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ: «أَمَعَكَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «اذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ: وَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي أَنْ أَتَعَلَّمَ الْبَقَرَةَ إِلَّا خَشْيَةُ أَنْ لَا أَقُومَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَاقْرَءُوهُ، فَإِنَّ مَثَلَ الْقُرْآنِ لِمَنْ تَعَلَّمَهُ فَقَرَأَهُ وَقَامَ بِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَحْشُوٍّ مِسْكًا يَفُوحُ رِيحُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَمَثَلُ مَنْ تَعَلَّمَهُ فَيَرْقُدُ وَهُوَ فِي جَوْفِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ أُوكِيَ عَلَى مِسْكٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي قِصَّةِ الْوَاهِبَةِ نَفْسَهَا وَفِيهِ قَالَ: «مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عددها فقال: «تقرأهن عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» وَلِأَبِي دَاوُدَ قَالَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَ: «قُمْ فَعَلِّمِهَا عِشْرِينَ آيَةً». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْقُرْآنِ إِذَا عَاهَدَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كَمَثَلِ رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ فَإِنْ عَقَلَهَا حَفِظَهَا وَإِنْ أَطْلَقَ عِقَالَهَا ذَهَبَتْ، فَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ». وَلَهُمَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي سُورَةٍ بِاللَّيْلِ فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كَنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا» وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا. (وَبِاللِّسَانِ يُتْلَى) قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الْكَهْفِ: 37] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الْإِسْرَاءِ: 106] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الْإِسْرَاءِ: 45] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} [فَاطِرٍ: 29] ، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لَتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [الْقِيَامَةِ: 16-19] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [الْمُزَّمِّلِ: 4] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الْإِسْرَاءِ: 110] ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ» إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَلَّهُ أَشَدُّ أُذُنًا إِلَى الرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَتِهِ» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلَهُ عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ لَا تَوَسَّدُوا الْقُرْآنَ، وَاتْلُوهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَتَغَنَّوْهُ وَتَقِّنُوهُ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا سَيَأْتِي مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا فِي ذِكْرِ الصَّوْتِ. (كَمَا يُسْمَعُ بِالْآذَانِ) قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التَّوْبَةِ: 6] ، وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [الْمَائِدَةِ: 83] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الْأَعْرَافِ: 204] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الْأَحْقَافِ: 29-30] ، الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا-إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى- وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ} [الْجِنِّ: 1-13] ، الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزُّمَرِ: 18] ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ» قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنِ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أَبَا مُوسَى، لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ»فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أنك تسمع لقراءتي لِحَبَّرْتُهَا لَكَ تَحْبِيرًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَبْطَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً بَعْدَ الْعَشَاءِ ثُمَّ جِئْتُ، فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتِ؟» قُلْتُ: كُنْتُ أَسْمَعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِكَ لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَ قِرَاءَتِهِ وَصَوْتِهِ مِنْ أَحَدٍ، قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُمْتُ مَعَهُ حَتَّى اسْتَمَعَ لَهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «هَذَا سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مِثْلَ هَذَا» إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ. (كَذَا بِالَابْصَارِ إِلَيْهِ مُتَعَلِّقَانِ بِـ: يُنْظَرُ) أَيْ: إِلَى الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ وَأَجَلِّهَا. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَضْلُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ نَظَرًا على من يقرأه ظَهْرًا كَفَضْلِ الْفَرِيضَةِ عَلَى النَّافِلَةِ». وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَدِيمُوا النَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ نَشَرَ الْمُصْحَفَ فَقَرَأَ فِيهِ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ إِخْوَانُهُ نَشَرُوا الْمُصْحَفَ فَقَرَءُوا وَفَسَّرَ لَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِذَا رَجَعَ أَحَدُكُمْ مِنْ سُوقِهِ فَلْيَنْشُرِ الْمُصْحَفَ وَلْيَقْرَأْ. وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْ عَلَى ظَهْرِ قَلْبٍ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى التِّلَاوَةِ وَالنَّظَرِ فِي الْمُصْحَفِ وَكَرِهُوا أَنْ يَمْضِيَ عَلَى الرَّجُلِ يَوْمَانِ لَا يَنْظُرُ فِي مُصْحَفِهِ. (وَبِالْأَيَادِي خَطُّهُ يُسَطَّرُ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الْوَاقِعَةِ: 77-79] ، وَقَالَ تَعَالَى: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [الْبَيِّنَةِ: 2] ، وَقَالَ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} [عَبَسَ: 11-14] ، وَقَدْ كَتَبَهُ الصَّحَابَةُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ، وَفِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ، وَإِلَى الْآنَ يَكْتُبُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ نَحْوَ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْنَى ذَلِكَ فِي مَحْضَرِ الصَّحَابَةِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ خِلَافَهُ. وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الَّذِي فِي الْمُصْحَفِ كَلَامَ اللَّهِ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} بَلْ وَلَا كَانَ يَحْرِمُ تَوَسُّدُهُ، وَلِذَا أَجَازَ الزَّنَادِقَةُ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يُؤْمِنُوا أَنَّ فِيهِ كِتَابَ اللَّهِ، وَهَذَا مِنْ أَسْفَلِ دَرَكَاتِ الْكُفْرِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ. (وَكُلُّ ذِي) الْمَذْكُورَاتِ مِنَ الْقَلْبِ وَحَافِظَتِهِ وَذَاكِرَتِهِ وَاللِّسَانِ وَحَرَكَتِهِ وَالْآذَانِ وَأَسْمَاعِهَا وَالْأَبْصَارِ وَنَظَرِهَا وَالْأَيَادِي وَكِتَابَتِهَا وَأَدَوَاتِ الْكِتَابَةِ مِنْ أَوْرَاقٍ وَأَقْلَامٍ وَمِدَادٍ، كُلُّهَا (مَخْلُوقَةٌ حَقِيقَهْ) لَيْسَ فِي ذَلِكَ تَوَقُّفٌ، (دُونَ) الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ (كَلَامُ) اللَّهِ تَعَالَى (بَارِئِ الْخَلِيقَهْ). قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَتَوَجَّهُ الْعَبْدُ لِلَّهِ تعالى بالقرآن بخمسة أَوْجُهٍ وَهُوَ فِيهَا غَيْرُ مَخْلُوقٍ: حِفْظٌ بِقَلْبٍ وَتِلَاوَةٌ بِلِسَانٍ وَسَمْعٌ بِأُذُنٍ وَنَظْرَةٌ بِبَصَرٍ وَخَطٌّ بِيَدٍ. فَالْقَلْبُ مَخْلُوقٌ وَالْمَحْفُوظُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَالتِّلَاوَةُ مَخْلُوقَةٌ وَالْمَتْلُوُّ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَالسَّمْعُ مَخْلُوقٌ وَالْمَسْمُوعُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَالنَّظَرُ مَخْلُوقٌ وَالْمَنْظُورُ إِلَيْهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَالْكِتَابَةُ مَخْلُوقَةٌ وَالْمَكْتُوبُ غير مخلوق. فَأَعْمَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ وَالْقُرْآنُ حَيْثُمَا تَصَرَّفَ وَأَيْنَ كُتِبَ وَحَيْثُ تُلِيَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقٍ. جَلَّتْ صِفَاتُ ربنا الرحمن * ن وَصْفِهَا بِالْخَلْقِ وَالْحَدَثَانِ فَلَيْسَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ مَخْلُوقٌ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَتَعَالَى عَنْ أَنْ تَكُونَ ذَاتُهُ مَحَلًّا لِلْمَخْلُوقَاتِ، بَلْ هُوَ الْأَوَّلُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَالْآخِرُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ، لَمْ يُسْبَقْ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ بِالْعَدَمِ، وَلَمْ يُعْقَبْ بِالْفَنَاءِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. (فَالصَّوْتُ) مِنْ جَهْوَرِيٍّ وَخَفِيِّ (وَالْأَلْحَانُ) مِنْ حَسَنٍ وَغَيْرِهِ (صَوْتُ الْقَارِي لَكِنَّمَا الْمَتْلُوُّ) الْمُؤَدَّى بِذَلِكَ الصَّوْتِ هُوَ (قَوْلُ الْبَارِي) جَلَّ وَعَلَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» وَلِابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَلَّهُ أَشَدُّ أُذُنًا إِلَى الرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَتِهِ» وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَنُّوا بِالْقُرْآنِ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُغَنِّ بِالْقُرْآنِ، وَابْكُوا فَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى الْبُكَاءِ فَتَبَاكَوْا» رَوَاهُ الْبَغَوِيُّ، وَلِأَبِي دَاوُدَ نَحْوُهُ، وَلَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» وَلَهُ وَلِلنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا-أَوْ قِرَاءَةً- مِنْهُ» الْحَدِيثَ، وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ الَّذِي إِذَا سَمِعْتُمُوهُ يَقْرَأُ حَسِبْتُمُوهُ يَخْشَى اللَّهَ» وَلِأَبِي عُبَيْدٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وَأَصْوَاتِهَا، وَإِيَّاكُمْ وَلُحُونَ أَهْلِ الْفِسْقِ وَأَهِلِ الْكِتَابَيْنِ. وَسَيَجِيءُ قَوْمٌ مِنْ بَعْدِي يُرَجِّعُونَ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ وَالنَّوْحِ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، مَفْتُونَةٌ قُلُوبُهُمْ وَقُلُوبُ الَّذِينَ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أَبَا مُوسَى لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ». فَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ التَّصْرِيحُ بِإِضَافَةِ الصَّوْتِ وَالْأَلْحَانِ وَالتَّغَنِّي إِلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُهُ، وَالْقُرْآنُ الْمُؤَدَّى بِذَلِكَ الصَّوْتِ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ حَقِيقَةً، وَكَذَلِكَ الْمَهَارَةُ بِالْقُرْآنِ وَالتَّتَعْتُعُ فِيهِ هُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَسَعْيُهُ لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ» وَهَذَا الْفَرْقُ وَاضِحٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَعَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ كَانَ الصَّوْتُ هُوَ نَفْسَ الْمَتْلُوِّ الْمُؤَدَّى بِهِ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الِاتِّحَادِ لَكَانَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ الْقُرْآنَ مِنْ أَيِّ تَالٍ وَبِأَيِّ صَوْتٍ كَلِيمَ الرَّحْمَنِ فَلَا مَزِيَّةَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى غَيْرِهِ، اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ رَبَّنَا، لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ. (مَسْأَلَةٌ): اشْتُهِرَ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَهَارُونَ الْفَرْوِيِّ وَجَمَاعَةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّفْظِيَّةَ جَهْمِيَّةٌ، وَاللَّفْظِيَّةُ هُمْ مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، قَالَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، يَعْنُونَ غَيْرَ بِدْعِيَّةٍ الْجَهْمِيَّةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّفْظَ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمَلْفُوظُ بِهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ فِعْلًا لِلْعَبْدِ وَلَا مَقْدُورًا لَهُ، وَالثَّانِي التَّلَفُّظُ وَهُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَكَسْبُهُ وَسَعْيُهُ، فَإِذَا أُطْلِقَ لَفْظُ الْخَلْقِ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي شَمِلَ الْأَوَّلَ وَهُوَ قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ، وَإِذَا عُكِسَ الْأَمْرُ بِأَنْ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ شَمِلَ الْمَعْنَى الثَّانِيَ وَهِيَ بِدْعَةٌ أُخْرَى مِنْ بِدَعِ الِاتِّحَادِيَّةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ، فَإِنَّكَ إِذَا سَمِعْتَ رَجُلًا يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تَقُولُ هَذَا لَفْظُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَتَقُولُ هَذَا لَفْظُ فُلَانٍ بِسُورَةِ الْإِخْلَاصِ، إِذِ اللَّفْظُ مَعْنًى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ التَّلَفُّظِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْمَلْفُوظِ بِهِ الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ السَّلَفُ بِقَوْلِهِمْ: الصَّوْتُ صَوْتُ الْقَارِي وَالْكَلَامُ كَلَامُ الْبَارِي، فَإِنَّ الصَّوْتَ مَعْنًى خَاصٌّ بِفِعْلِ الْعَبْدِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَتْلُوَّ الْمُؤَدَّى بِالصَّوْتِ الْبَتَّةَ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ تَقُولَ هَذَا صَوْتُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَلَا يَقُولُ ذَلِكَ عَاقِلٌ، وَإِنَّمَا تَقُولُ: هَذَا صَوْتُ فُلَانٍ يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ. نَعَمْ إِذَا سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ تَعَالَى بِدُونِ وَاسِطَةٍ كَسَمَاعِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَسَمَاعِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَسَمَاعِ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَلَامَهُ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ فَحِينَئِذٍ التِّلَاوَةُ وَالْمَتْلُوُّ صِفَةُ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ مَخْلُوقٌ. تَعَالَى اللَّهُ عُلُوًّا كَبِيرًا. (مَا قَالَهُ لَا يَقْبَلُ التَّبْدِيلَا) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الْكَهْفِ: 27] ، وَقَالَ تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الْأَنْعَامِ: 115] ، وَقَالَ تَعَالَى: {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [يُونُسَ: 64] . (كَلَّا) أَيْ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ (وَلَا أَصْدَقُ مِنْهُ) أَيْ: مِنَ اللَّهِ تَعَالَى (قِيلًا) أَيْ: قَوْلًا وَهُوَ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ اسْمِ لَا، وَالتَّقْدِيرُ لَا قِيلَ أَصْدَقُ مِنْ قِيلِهِ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النِّسَاءِ: 87] ، وَقَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النِّسَاءِ: 112] ، أَيْ: مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَدِيثِهِ وَخَبَرِهِ وَوَعَدِهِ وَوَعِيدِهِ؟ وَالْجَوَابُ: لَا أَحَدَ. وَفِي خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» الْحَدِيثَ. وَقَدْ رَوَى الثِّقَاتُ عَنْ خَيْرِ الْمَلَا * بِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَافِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ يَنْزِلُ * يَقُولُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَيُقْبَلُهَلْ مِنْ مُسِيءٍ طَالِبٍ لِلْمَغْفِرَهْ * يَجِدُ كَرِيمًا قَابِلًا لِلْمَعْذِرَهْيَمُنُّ بِالْخَيْرَاتِ وَالْفَضَائِلْ * وَيَسْتُرُ الْعَيْبَ وَيُعْطِي السَّائِلْأَيْ: وَمِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَإِثْبَاتُهُ وَإِمْرَارُهُ كَمَا جَاءَ؛ صِفَةُ النُّزُولِ لِلرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ كَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَمْرِو بْنِ عَبْسَةَ، وَرِفَاعَةَ الْجُهَنِيِّ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَعُمَرَ بْنِ عَامِرٍ السُّلَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. فَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِكُلِّ نفس إلا إنسان فِي قَلْبِهِ شَحْنَاءُ أَوْ شِرْكٌ» رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. وَعَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ هَبَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَيَقُولُ: أَلَا سَائِلٌ يُعْطَى، أَلَا دَاعٍ فَيُجَابُ، أَلَا مُذْنِبٌ يَسْتَغْفِرُ فَيُغْفَرُ لَهُ، أَلَا سَقِيمٌ يَسْتَشْفِي فَيُشْفَى» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي السُّنَّةِ. وَعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ هَبَطَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَنَادَى هَلْ مِنْ مُذْنِبٍ يَتُوبُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ هَلْ مِنْ سَائِلٍ». وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرُ لَهُ» وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي النُّزُولِ قَدْ تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسَائِرِ الْأُمَّهَاتِ، وَقَدْ سَاقَهُ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ طَرِيقًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَلَهُ فِي كُلِّ سَمَاءٍ كُرْسِيٌّ فَإِذَا نَزَلَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ ثُمَّ مَدَّ سَاعِدَيْهِ فَيَقُولُ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَتُوبُ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ ارْتَفَعَ فَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ، قَالَ: وَلَهُ أَصْلٌ مُرْسَلٌ. وَعَنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ فَيَقُولُ جَلَّ جَلَالُهُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ» حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ. وَعَنِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لِثُلُثِ اللَّيْلِ فَيَقُولُ: أَلَا عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، أَوْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ يَدْعُونِي فَأَغْفِرَ لَهُ، أَلَا مُقَتَّرٌ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، أَلَا مَظْلُومٌ يَسْتَنْصِرُنِي فَأَنْصُرَهُ، أَلَا عَانٍ يَدْعُونِي فَأَفُكَّ عَنْهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَكَانَهُ حَتَّى يَفِيءَ الْفَجْرُ ثُمَّ يَعْلُو رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ إِلَى السَّمَاءِ الْعُلْيَا عَلَى كُرْسِيِّهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ نَزَلَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ بَسَطَ يَدَهُ فَقَالَ: مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَرِجَالُهُ أَئِمَّةٌ، وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ بِلَفْظِ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْتَحُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ ثُمَّ يَهْبِطُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَهُ فَيَقُولُ: أَلَا عَبْدٌ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» وَعَنْ رِفَاعَةَ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَضَى نِصْفُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثُ اللَّيْلِ نَزَلَ اللَّهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَقَالَ: لَا أَسْأَلُ عَنْ عِبَادِي غَيْرِي، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ» حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَعَنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ. وَأَنَّ دَاوُدَ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: لَا يُسْأَلُ اللَّهُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَاحِرًا أَوْ عَشَّارًا» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِنَحْوِهِ، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي آخِرِ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ بَقِينَ مِنَ اللَّيْلِ يَنْظُرُ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى مِنْهُنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي لَا يَنْظُرُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ وَهِيَ مَسْكَنُهُ الَّذِي يَسْكُنُ، لَا يَكُونُ مَعَهُ فِيهَا إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ، وَفِيهَا مَا لَمْ يَرَ أَحَدٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ يَقُولُ: أَلَا مُسْتَغْفِرٌ فَأَغْفِرَ لَهُ، أَلَا سَائِلٌ فَأُعْطِيَهُ، أَلَا دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ» رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ. وَرَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ: أَلَا عَبْدٌ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، أَلَا ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ يَدْعُونِي فَأَقْبَلَهُ، فَيَكُونُ كَذَلِكَ إِلَى مَطْلِعِ الصُّبْحِ وَيَعْلُو عَلَى كُرْسِيِّهِ». وَعَنِ أَبِي الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْوِتْرِ: أُحِبُّ أُوتِرُ نِصْفَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَهْبِطُ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُذْنِبٍ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ، هَلْ مِنْ دَاعٍ، حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ ارْتَفَعَ. رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي طَبَقَاتِهِ. وَعَنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ-أَوْ قَالَ نِصْفُ اللَّيْلِ- يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ عَانٍ فَأَفُكَّهُ، هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ، هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ. وَعَنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ الْعُلْيَا: أَلَا نَزَلَ الْخَالِقُ الْعَلِيمُ فَيَخْرُجُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَيُنَادِي فِيهِمْ مُنَادٍ بِذَلِكَ فَلَا يَمُرُّ بِأَهْلِ السَّمَاءِ إِلَّا وَهُمْ سُجُودٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَرَوَى أَبُو الْيَمَانِ وَيَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ وَعَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ-وَهَذَا سِيَاقُ حَدِيثِهِ- أَخْبَرَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْسَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فَدَاكَ شَيْءٌ تَعْلَمُهُ وَأَجْهَلُهُ يَنْفَعُنِي وَلَا يَضُرُّكَ، مَا سَاعَةٌ أَقْرَبُ مِنْ سَاعَةٍ وَمَا سَاعَةٌ تَبْقَى فِيهَا؟ يَعْنِي الصَّلَاةَ فَقَالَ: «يَا عَمْرُو بْنَ عَبْسَةَ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ، إِنَّ الرَّبَّ تَعَالَى يَتَدَلَّى مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَيَغْفِرُ، إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الشِّرْكِ وَالْبَغْيِ، وَالصَّلَاةُ مَشْهُودَةٌ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ عَلَى قَرْنِ الشَّيْطَانِ وَهِيَ صَلَاةُ الْكُفَّارِ، فَأَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ فَإِذَا اسْتَعْلَتِ الشَّمْسُ فَالصَّلَاةُ مَشْهُودَةٌ حَتَّى يَعْتَدِلَ النَّهَارُ، فَإِذَا اعْتَدَلَ النَّهَارُ فَأَخِّرِ الصَّلَاةَ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا فَاءَ الْفَيْءُ فَالصَّلَاةُ مَشْهُودَةٌ حَتَّى تَدَلَّى لِلْغُرُوبِ فَإِنَّهَا تَغِيبُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ فَأَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَجِبَ الشَّمْسُ» وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ مُطَوَّلًا، قُلْتُ: وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوِكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنْ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الْإِسْرَاءِ: 77-78] ، وَفِي كِتَابِ السُّنَّةِ لِلْخَلَّالِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ثُلَثَ اللَّيْلِ الْأَوْسَطَ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَيَتْرُكُ أَهْلَ الْحِقْدِ لِحِقْدِهِمْ» وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ بَقِينَ مِنَ اللَّيْلِ يَفْتَحُ الذِّكْرَ مِنَ السَّاعَةِ الْأُولَى لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مَا شَاءَ، ثُمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ الَّتِي لَمْ تَرَهَا عَيْنٌ وَلَمْ تَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ وَلَا يَسْكُنُهَا مِنْ بَنِي آدَمَ غَيْرُ ثَلَاثَةٍ: النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ: طُوبَى لِمَنْ دَخَلَكِ. ثُمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا بِرَوْحِهِ وَمَلَائِكَتِهِ فَيَنْتَفِضُ فَيَقُولُ: قَيُّومِيٌّ بِعِزَّتِي. ثُمَّ يَطَّلِعُ إِلَى عِبَادِهِ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ أَغْفِرُ لَهُ، هَلْ مِنْ دَاعٍ أُجِيبُهُ، حَتَّى تَكُونَ صَلَاةُ الْفَجْرِ. وَكَذَلِكُمْ يَقُولُ: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنْ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} فَيَشْهَدُهُ اللَّهُ وَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ. وَلَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ-أَوْ عَمِّهِ- عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْلَةَ النِّصْفِ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ» الْحَدِيثَ. رَوَاهُ ابْنُ زَنْجَوَيْهِ، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ هَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا لِكَافِرٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبُخَارِيُّ. وَعَنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا لِكَافِرٍ أَوْ مُشَاحِنٍ». قُلْتُ: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ أَحَادِيثِ تَخْصِيصِ النُّزُولِ بِلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ أنه في كُلَّ لَيْلَةٍ فَإِنَّ النُّزُولَ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ مُطْلَقٌ وَالنُّزُولُ فِي كُلِّ لَيْلَةِ مُقَيَّدٌ بِالنِّصْفِ فِي لَفْظٍ وَبِالثُّلُثِ فِي آخَرَ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي تَخْصِيصِ النُّزُولِ بِنِصْفِ شَعْبَانَ نَفْيٌ لَهُ فِيمَا عَدَاهَا، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا النُّزُولُ كُلَّ لَيْلَةٍ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ وَأَصَحُّ بِلَا شَكٍّ وَلَا مِرْيَةٍ. وَقَدْ ثَبَتَ النُّزُولُ أَيْضًا فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ كَمَا رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ عَرَفَةُ فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ». وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ فِي السُّنَّةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ يَرْفَعُهُ «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: «إِلَّا مَنْ عَفَّرَ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، إِنَّ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي هَؤُلَاءِ شُعْثًا غُبْرًا جَاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ضَاحِينَ يَسْأَلُونِي رَحْمَتِي. فَلَا يَرَى يَوْمًا أَكْثَرَ عَتِيقًا وَلَا عَتِيقَةً» وَرَوَى خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْصَارِيٌّ وَالْآخَرُ ثَقَفِيٌّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: «إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: هَؤُلَاءِ عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ» رَوَاهُ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ. وَقَدْ رُوِيَ النُّزُولُ فِي رَمَضَانَ، وَلَيْسَ هُوَ نَافِيًا لَهُ فِي غَيْرِهِ. فَرَوَى عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ طَارِقٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِذَا ذَهَبَ الثُّلُثُ الْأَوَّلُ مِنَ اللَّيْلِ هَبَطَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ، هَلْ مِنْ تَائِبٍ يُتَابُ عَلَيْهِ». وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إِبْرَاهِيمَ: 27] . قَالَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ يُدَبِّرُ أَمْرَ السَّنَةِ فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ غَيْرَ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ وَالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ» وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَهَذَا الْمَوْقُوفُ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ وَقَدْ ثَبَتَ النُّزُولُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ وَلِلتَّجَلِّي لِأَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا سَتَأْتِي الْأَحَادِيثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ. وَنَحْنُ نَشْهَدُ شَهَادَةَ مُقِرٍّ بِلِسَانِهِ مُصَدِّقٍ بِقَلْبِهِ مُسْتَيْقِنٍ بِمَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنْ ذِكْرِ نُزُولِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا مِنْ غَيْرِ أَنْ نَصِفَ الْكَيْفِيَّةَ؛ لِأَنَّ نَبِيَّنَا الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصِفْ كَيْفِيَّةَ نُزُولِ خَالِقِنَا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَأَعْلَمَنَا أَنَّهُ يَنْزِلُ، وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا لَمْ يَتْرُكْ وَلَا نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانَ مَا بِالْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ. فَنَحْنُ قَائِلُونَ مُصَدِّقُونَ بِمَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنْ ذِكْرِ النُّزُولِ كَمَا يَشَاءُ رَبُّنَا وَعَلَى مَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرَ مُتَكَلِّفِينَ الْقَوْلَ بِصِفَتِهِ أَوْ بِصِفَةِ الْكَيْفِيَّةِ، إِذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصِفْ لَنَا كَيْفِيَّةَ النُّزُولِ، فَنَسِيرُ بِسَيْرِ النُّصُوصِ حَيْثُ سَارَتْ وَنَقِفُ مَعَهَا حَيْثُ وَقَفَتْ لَا نَعْدُوهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا نَقْصُرُ عَنْهَا. وَقَدْ تَكَلَّفَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ مُثْبِتِي الْمُتَكَلِّمِينَ فَخَاضُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ الِانْتِقَالِ وَعَدَمِهِ، وَفِي خُلُوِّ الْعَرْشِ مِنْهُ وَعَدَمِهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَذَلِكَ تَكَلُّفٌ مِنْهُمْ، وَدُخُولٌ فِيمَا لَا يَعْنِيهِمْ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ التَّكْيِيفِ لَمْ يَأْتِ فِي لَفْظِ النُّصُوصِ وَلَمْ يَسْأَلِ الصَّحَابَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حِينَ حَدَّثَهُمْ بِالنُّزُولِ، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِذَلِكَ ونصدق بِهِ كَمَا آمَنُوا وَصَدَّقُوا. فَإِنْ قَالَ لَنَا مُتَعَنِّتٌ أَوْ مُتَنَطِّعٌ: يَلْزَمُ مِنْ إِثْبَاتِ كَذَا كَيْتَ وَكَيْتَ فِي أَيِّ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، قُلْنَا لَهُ: أَنْتَ لَا تُلْزِمُنَا نَحْنُ فِيمَا تَدَّعِيهِ وَإِنَّمَا تُلْزِمُ قَائِلَ ذَلِكَ وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا لِمَا قَالَهُ حَقِيقَةً وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ إِذْ لَازِمُ الْحَقِّ حَقٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُ ذَلِكَ لَازِمًا لَهُ فَأَنْتَ مُعْتَرِضٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاذِبٌ عَلَيْهِ مُتَقَدِّمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ سَمِعَ أَحْمَدَ بْنَ سَلَمَةَ سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ يَقُولُ: جَمَعَنِي وَهَذَا الْمُبْتَدِعَ-يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ- مَجْلِسُ الْأَمِيرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ فَسَأَلَنِي الْأَمِيرُ عَنْ أَخْبَارِ النُّزُولِ فَسَرَدْتُهَا، فَقَالَ بن أَبِي صَالِحٍ كَفَرْتُ بِرَبٍّ يَنْزِلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ. فَقُلْتُ: آمَنْتُ بِرَبٍّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ طَاهِرٍ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ يَرْوُونَ أَنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، رَوَاهَا الثِّقَاتُ الَّذِينَ يَرْوُونَ الأحكام، فقال: ينزع وَيَدَعُ عَرْشَهُ؟ فَقُلْتُ: يَقْدِرُ أَنْ يَنْزِلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُوَ مِنْهُ الْعَرْشُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: فَلِمَ تَتَكَلَّمُ فِي هَذَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ أَيْضًا: قَالَ لِي ابْنُ طَاهِرٍ: يَا أَبَا يَعْقُوبَ هَذَا الَّذِي تَرْوُونَهُ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ» كَيْفَ يَنْزِلُ؟ قُلْتُ: أَعَزَّ اللَّهُ الْأَمِيرَ، لَا كَيْفَ، إِنَّمَا يَنْزِلُ بِلَا كَيْفٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيُّ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ ابْنِ طَاهِرٍ وَحَضَرَ إِسْحَاقُ، فَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ النُّزُولِ أَصَحِيحٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقُوَّادِ: كَيْفَ يَنْزِلُ؟ فَقَالَ: أَثْبِتْهُ فَوْقَ حَتَّى أَصِفَ لَكَ النُّزُولَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَثْبَتُّهُ فَوْقَ، فَقَالَ إِسْحَاقُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الْفَجْرِ: 22] ، فَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: هَذَا يَا أَبَا يَعْقُوبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ: وَمَنْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَمْنَعُهُ الْيَوْمَ؟ مِنْ كِتَابِ الْعُلُوِّ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إِسْحَاقُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْهُمْ فِي جَمِيعِ نُصُوصِ الصِّفَاتِ، وَأَنَّ مَذْهَبَهُمْ إِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ وَالْإِيمَانُ بِهَا بِلَا كَيْفٍ. ٥٢
52 مع 53

٥٤ ذكر المنقول عن اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَرَأَ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} فَقَالُوا: مَا الزِّيَادَةُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَالنَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي جَنَّتِهِ. وَقَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ إِنْسَانٍ إِلَّا أَنَّ رَبَّهُ سَيَخْلُو بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا يَخْلُو أَحَدُكُمْ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَالَ فَيَقُولُ: مَا غرك بي يابن آدَمَ؟ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) مَاذَا أَجَبْتَ الْمُرْسَلِينَ؟ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟. وَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كُلُّ مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ يَرَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُنَادِي أَيْنَ الْمُتَّقُونَ؟ فَيَقُومُونَ فِي كَنَفٍ وَاحِدٍ مِنَ الرَّحْمَنِ تَعَالَى لَا يَحْتَجِبُ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَا يَسْتَتِرُ. قَالَ أَبُو عَفِيفٍ وَهُوَ الرَّاوِي عَنْهُ: مَنِ الْمُتَّقُونَ؟ قَالَ: قَوْمٌ اتَّقَوُا الشِّرْكَ وَعِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَأَخْلَصُوا لِلَّهِ فِي الْعِبَادَةِ، فَيَمُرُّونَ إِلَى الْجَنَّةِ. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَذُوقُوا الْمَوْتَ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يَنْظُرُ إِلَى مُلْكِهِ أَلْفَيْ عَامٍ يُرَى أَقْصَاهُ كَمَا يُرَى أَدْنَاهُ، وَإِنَّ أَفْضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ. وَكَانَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الدُّعَاءُ عَنْهُ، وَتَقَدَّمَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {لِلَّذِينِ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} قال: الجنة، و (الزيادة) هِيَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ النَّاسَ فَشَخَصُوا بِأَبْصَارِهِمْ، فَقَالَ: مَا صَرَفَ أَبْصَارَكُمْ عَنِّي؟ قَالُوا: الْهِلَالُ. قَالَ: فَكَيْفَ بِكُمْ إِذَا رَأَيْتُمْ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى جَهْرَةً؟وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35] : يَظْهَرُ لَهُمُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَعَنِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأُدِيمَ عليهم بالكرامة جادتهم خُيُولٌ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ لَا تَبُولُ وَلَا تَرُوثُ لَهَا أَجْنِحَةٌ، فَيَقْعُدُونَ عَلَيْهَا ثُمَّ يَأْتُونَ الْجَبَّارَ جَلَّ وَعَلَا فَإِذَا تَجَلَّى لَهُمْ خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا، فَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَقَدْ رَضِيتُ عَنْكُمْ رِضَاءً لَا سُخْطَ بَعْدَهُ. ٥٤


٥٥ ذكر اقوال التابعين رحمهم الله تعالى في ذلك قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَكَعْبٌ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلُزُومِ طَاعَتِهِ، وَالتَّمَسُّكِ بِأَمْرِهِ وَالْمُعَاهَدَةِ عَلَى مَا حَمَّلَكَ اللَّهُ مِنْ دِينِهِ وَاسْتَحْفَظَكَ مِنْ كِتَابِهِ فَإِنَّ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلُزُومِ طَاعَتِهِ نَجَا أَوْلِيَاؤُهُ مِنْ سُخْطِهِ، وَبِهَا وَافَقُوا أَنْبِيَاءَهُ، وَبِهَا نَضِرَتْ وُجُوهُهُمْ وَنَظَرُوا إِلَى خَالِقِهِمْ، وَهِيَ عِصْمَةٌ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْفِتَنِ وَمِنْ كَرْبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لو علم العابثون فِي الدِّينِ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ لَذَابَتْ أَنْفُسُهُمْ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ الْأَعْمَشُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إِنَّ أَشْرَفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى غُدْوَةً وَعَشِيَّةً. وَقَالَ كَعْبٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا نَظَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْجَنَّةِ قَطُّ إِلَّا قَالَ: طِيبِي لِأَهْلِكِ، فَزَادَتْ ضِعْفًا عَلَى مَا كَانَتْ، حَتَّى يَأْتِيَهَا أَهْلُهَا، وَمَا مِنْ يَوْمٍ كَانَ لَهُمْ عِيدٌ فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَيَخْرُجُونَ فِي مِقْدَارِهِ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ، فَيَبْرُزُ لَهُمُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَتُسْفِي عَلَيْهِمُ الرِّيحُ الْمِسْكَ، وَلَا يَسْأَلُونَ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا، وَقَدِ ازْدَادُوا عَلَى مَا كَانُوا مِنَ الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ سَبْعِينَ ضِعْفًا، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى أَزْوَاجِهِمْ وَقَدِ ازْدَدْنَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَجَلَّى لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا رَآهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ نَسُوا نَعِيمَ الْجَنَّةِ. وَقَالَ طَاوُسٌ: أَصْحَابُ الْمِرَاءِ وَالْمَقَايِيسِ لَا يَزَالُ بِهِمِ الْمِرَاءُ وَالْمَقَايِيسُ حَتَّى يَجْحَدُوا الرُّؤْيَةَ وَيُخَالِفُوا أَهْلَ السُّنَّةِ. وَقَالَ شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقِ السَّبِيعِيِّ: الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَعَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ أُعْطُوا فِيهَا مَا سَأَلُوا وَمَا شَاءُوا، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ: إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْءٌ لَمْ تُعْطَوْهُ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَلَا يَكُونُ مَا أُعْطُوهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، فَالْحُسْنَى الْجَنَّةُ وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} [يُونُسَ: 26] ، بَعْدَ نَظَرِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الْكَهْفِ: 110] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَنْ أَرَادَ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ خَالِقِهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُخْبِرْ بِهِ أَحَدًا. وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: مَا حَجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدًا عَنْهُ إِلَّا عَذَّبَهُ ثُمَّ قَرَأَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [الْمُطَفِّفِينَ: 15] قَالَ: بِالرُّؤْيَةِ. وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ: قَدِمَ عَلَيْنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ عِنْدَنَا قَوْمًا مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ يُنْكِرُونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ؛ «إِنَّ اللَّهَ ينزل إلى سماء الدنيا» و«إن أَهْلَ الْجَنَّةِ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ» فَحَدَّثَنِي بِنَحْوِ عَشَرَةِ أَحَادِيثَ فِي هَذَا، وَقَالَ: أَمَّا نَحْنُ فَقَدَ أَخَذْنَا دِينَنَا هَذَا عَنِ التَّابِعِينَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُمْ عَمَّنْ أَخَذُوا؟وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ قَبِيصَةَ: أَتَيْنَا أَبَا نُعَيْمٍ يَوْمًا فَنَزَلَ إِلَيْنَا مِنَ الدَّرَجَةِ الَّتِي فِي دَارِهِ فَجَلَسَ وَسَطَهَا كَأَنَّهُ مُغْضَبٌ فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَحَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَحَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ، هَؤُلَاءِ أَبْنَاءُ الْمُهَاجِرِينَ يُحَدِّثُونَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُرَى فِي الْآخِرَةِ حَتَّى جَاءَ ابْنُ يَهُودِيٍّ صَبَّاغٌ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يرى (يعني بشر الْمِرِّيسِيَّ قَبَّحَهُ الله). ٥٥

٥٦ ذكر اقول الايمة الاربعة وطبقاتهم ومشايخهم رحمهم الله تعالى قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْيُنِهِمْ. وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [الْقِيَامَةِ: 23] ، أَتَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَشْهَبُ فَقُلْتُ: إِنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ تَنْظُرُ مَا عِنْدَهُ، قَالَ: بَلْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ نَظَرًا، وَقَدْ قَالَ مُوسَى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الْأَعْرَافِ: 143] ، وَقَالَ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}. وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قِيلَ لِمَالِكٍ: إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى. فَقَالَ مَالِكٌ: السَّيْفَ السَّيْفَ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ: أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمِاجِشُونُ وَسَأَلْتُهُ عَمَّا جَحَدَتِ الْجَهْمِيَّةُ؟ فَقَالَ: لَمْ يَزَلْ يُمْلِي لَهُمُ الشَّيْطَانُ حَتَّى جَحَدُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فَقَالُوا: لَا يَرَاهُ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَجَحَدُوا. وَاللَّهِ أَفْضَلَ كَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي أَكْرَمَ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ، وَنَضْرَتِهِ إِيَّاهُمْ: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [الْقَمَرِ: 25] ، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَيَجْعَلَنَّ رُؤْيَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُخْلِصِينَ لَهُ ثَوَابًا لِيُنُضِّرَ بِهَا وُجُوهَهُمْ دُونَ الْمُجْرِمِينَ وَتَفْلُجَ بِهَا حُجَّتُهُمْ عَلَى الْجَاحِدِينَ وَهُمْ {عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} لَا يَرَوْنَهُ، كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يُرَى وَلَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْجُبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جَهْمًا وَأَصْحَابَهُ عَنْ أَفْضَلِ ثَوَابِهِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ حِينَ يَقُولُ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فَجَحَدَ جَهْمٌ وَأَصْحَابُهُ أَفْضَلَ ثَوَابِهِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْلِيَاءَهُ. وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ التي فيها الرؤية فَقَالُوا: تَمَرُّ بِلَا كَيْفٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَنْ لَمْ يَقُلْ إِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْجَنَّةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ. ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَذَكَرَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُصَلَّى خَلَفَ الْجَهْمِيِّ، وَالْجَهْمِيُّ الَّذِي يَقُولُ: لَا يُرَى رَبُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ سَابِطٍ فِي الزِّيَادَةِ أَنَّهَا النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَنْكَرَهُ رَجُلٌ فَصَاحَ بِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ. وَذَكَرَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْجَهْمِيَّةِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عبد الرحمن (خدارا بآن جهان جون بيند) وَمَعْنَاهُ: كَيْفَ يُرَى اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: بِالْعَيْنِ. وَقَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَرَاهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمُؤْمِنُونَ فِي الْجَنَّةِ وَلَا يَرَاهُ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْمَأْخُوذُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ: الْإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ وَالتَّصْدِيقُ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَةِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، وَقَدْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي الرُّؤْيَةِ: هِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ رَوَاهَا الثِّقَاتُ عَنِ الثِّقَاتِ إِلَى أَنْ صَارَتْ إِلَيْنَا. إِلَّا أَنَّا إِذَا قِيلَ لَنَا فَسِّرُوهَا لَنَا، قُلْنَا: لَا نُفَسِّرُ مِنْهَا شَيْئًا وَلَكِنْ نُمْضِيهَا كَمَا جَاءَتْ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ: سَأَلْتُ أَسْوَدَ بْنَ سَالِمٍ عَنْ أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ فَقَالَ: أَحْلِفُ عَلَيْهَا أَنَّهَا حَقٌّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ جَاءَتْهُ رُقْعَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ؛ فِيهَا مَا تَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَمَّا أَنْ حُجِبَ هَؤُلَاءِ فِي السُّخْطِ كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَرَوْنَهُ فِي الرِّضَا، قَالَ الرَّبِيعُ: فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَبِهِ تَقُولُ؟ قَالَ: نَعَمْ وبه أدين لله عَزَّ وَجَلَّ. وَلَوْ لَمْ يُوقِنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ أَنَّهُ يَرَى اللَّهَ لَمَا عَبَدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنِ الرَّبِيعِ عَنْهُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}: فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يوم الْقِيَامَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الرُّؤْيَةِ فَقَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُحْجَبُونَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. رَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ. وَلِابْنِ بَطَّةَ عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَبْصَارِهِمْ وَوُجُوهِهِمْ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قُلْتُ لِأَحْمَدَ: أَلَيْسَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَرَاهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَلَيْسَ تَقُولُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ؟ قَالَ أَحْمَدُ: صَحِيحٌ. وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ-وَقِيلَ لَهُ تَقُولُ بِالرُّؤْيَةِ- فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالرُّؤْيَةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَبَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ: مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَرَى فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ كَفَرَ، عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ مَنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ، أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وَقَالَ {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَذُكِرَ لَهُ عَنْ رَجُلٍ شَيْءٌ فِي الرُّؤْيَةِ فَغَضِبَ وَقَالَ: مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ أَيْضًا: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ لَهُ فِي رَجُلٍ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي الْعَطُوفِ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْيَوْمَ، ثُمَّ قَالَ: أَخْزَى اللَّهُ هَذَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ تَعْرِفُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِي الْعَطُوفِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: إِنِ اسْتَقَرَّ الْجَبَلُ فَسَوْفَ تَرَانِي وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ فَلَا تَرَانِي فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ؟ فَغَضِبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَبَيَّنَ فِي وَجْهِهِ، وَكَانَ قَاعِدًا وَالنَّاسُ حَوْلَهُ فَأَخَذَ نَعْلَهُ وَانْتَعَلَ وَقَالَ: أَخْزَى اللَّهُ هَذَا، هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ. وَدَفَعَ أَنْ يَكُونَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ رَوَاهُ أَوْ حَدَّثَ بِهِ وَقَالَ: هَذَا جَهْمِيٌّ كَافِرٌ خَالَفَ مَا قَالَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وَقَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} أَخْزَى اللَّهُ هَذَا الْخَبِيثَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ كَفَرَ. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [الْبَقَرَةِ: 210] ، {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} فَمَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فَقَدْ كَفَرَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالرُّؤْيَةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَالْجَهْمِيُّ كَافِرٌ. وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَطَّانُ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَهْلُ الْجَنَّةِ يَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَيُكَلِّمُونَهُ وَيُكَلِّمُهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيُكَلِّمُهُمْ وَيُكَلِّمُونَهُ كَيْفَ شَاءُوا إِذَا شَاءُوا. وَقَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الْقَوْمُ يَرْجِعُونَ إِلَى التَّعْطِيلِ فِي أَقْوَالِهِمْ، يُنْكِرُونَ الرُّؤْيَةَ وَالْآثَارَ كُلَّهَا، وَمَا ظَنَنْتُهُمْ عَلَى هَذَا حَتَّى سَمِعْتُ مَقَالَاتِهِمْ. قَالَ حَنْبَلٌ وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، فَقَدْ كَفَرَ وَرَدَّ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى الرَّسُولِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا فَقَدْ كَفَرَ وَرَدَّ عَلَى اللَّهِ قَوْلَهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَنُقِرُّ بِهَا وَنُمِرُّهَا كَمَا جَاءَتْ. وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: فَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي رُؤْيَةِ الدُّنْيَا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ الصَّائِغُ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: الرُّؤْيَةُ مَنْ كَذَّبَ بِهَا فَهُوَ زِنْدِيقٌ. وَقَالَ حَنْبَلٌ يَقُولُ: الرُّؤْيَةُ مَنْ كَذَّبَ بِهَا فَهُوَ زِنْدِيقٌ. وَقَالَ حَنْبَلٌ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَدْرَكْنَا النَّاسَ وَمَا يُنْكِرُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ شَيْئًا، أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ، وَكَانُوا يُحَدِّثُونَ بِهَا عَلَى الْجُمْلَةِ يُمِرُّونَهَا عَلَى حَالِهَا غَيْرَ مُنْكِرِينَ لِذَلِكَ وَلَا مُرْتَابِينَ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشُّورَى: 52] ، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فَقَالَ: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ مُوسَى يَرَاهُ فِي الْآخِرَةِ وَقَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وَلَا يَكُونُ حِجَابٌ إِلَّا لِرُؤْيَةٍ، أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَنْ أَرَادَ يَرَاهُ، وَالْكُفَّارُ لَا يَرَوْنَهُ. قَالَ حَنْبَلٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تُرْوَى فِي النَّظَرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ: «تَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّكُمْ» أَحَادِيثُ صِحَاحٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نُؤْمِنُ بِهَا وَنَعْلَمُ أَنَّهَا حَقٌّ أَحَادِيثُ الرُّؤْيَةِ. وَنُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ يُرَى، نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا نَشُكُّ فِيهِ وَلَا نَرْتَابُ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَكَذَّبَ بِالْقُرْآنِ وَرَدَّ عَلَى اللَّهِ أَمْرَهُ، يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. قَالَ حَنْبَلٌ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ قَالَ: هَذِهِ صِحَاحٌ نُؤْمِنُ بِهَا وَنُقِرُّ بِهَا وَكُلُّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَرْنَا بِهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إِذَا لَمْ نُقِرَّ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَفَعْنَاهُ رَدَدْنَا عَلَى اللَّهِ أَمْرَهُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الْحَشْرِ: 7] وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ أَمِيرُ خُرَاسَانَ لِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ: يَا أَبَا يَعْقُوبَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي يَرْوُونَهَا فِي النُّزُولِ وَالرُّؤْيَةِ مَا هُنَّ؟ فَقَالَ: رَوَاهَا مَنْ رَوَى الطَّهَارَةَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ وَالْأَحْكَامَ-وَذَكَرَ أَشْيَاءَ- فَإِنْ يكونوا في هذه عُدُولًا وَإِلَّا فَقَدِ ارْتَفَعَتِ الْأَحْكَامُ وَبَطَلَ الشَّرْعُ. فَقَالَ: شَفَاكَ اللَّهُ كَمَا شَفَيْتَنِي. أَوْ كَمَا قَالَ. ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ. وَقَالَ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِهِ: إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ خَالِقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ لِلْمُزَنِيِّ: مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: أَقُولُ إِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ، فَقَالَ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ؟ فَقَالَ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ. قَالَ: وَتَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا افْتَرَقَ النَّاسُ قَامَ إِلَيْهِ الْمُزَنِيُّ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ شَهَرْتَنِي عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِيكَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُبَرِّئَكَ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} [الْأَحْزَابِ: 44] : أَجْمَعَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أن اللقاء ههنا لَا يَكُونُ إِلَّا مُعَايَنَةً وَنَظَرًا بِالْأَبْصَارِ. قُلْتُ: وَاللِّقَاءُ ثَابِتٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِالتَّوَاتُرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّ أَحَادِيثِ اللِّقَاءِ صَحِيحَةٌ كَحَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ بِئْرِ مَعُونَةَ: «إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا»، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ لِقَاءَهُ» وَحَدِيثُ أَنَسٍ: «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَوْ لَقِيتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثِ اللِّقَاءِ الَّتِي اطَّرَدَتْ كُلُّهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ، وَهَذِهِ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى، كُلُّهَا مُجْتَمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْجَنَّةِ، وَيَتَلَذَّذُونَ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَذَلِكَ غَايَةُ النَّعِيمِ وَأَعْلَى الْكَرَامَاتِ وَأَفْضَلُ فَضِيلَةٍ، وَلِذَا يَذْهَلُونَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ عَنْ كُلِّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَنُشْهِدُ اللَّهَ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَنَضْرَعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَنَدْعُوهُ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى أَنْ يَرْزُقَنَا لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ تَعَالَى فِي جَنَّةِ عَدْنٍ، وَأَنْ لَا يَحْجُبَنَا عَنْهُ فَنَكُونَ مِنَ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ جَحَدَ الرُّؤْيَةَ فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، مُكَذِّبٌ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ رَادٌّ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَالِفٌ لِجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ، كَافِرٌ بِلِقَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مُتَّبِعٌ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَيُوَلِّيهِ اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَيُصْلِيهِ جَهَنَّمَ إِنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى جُحُودِهِ، أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ؟ وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْمُكَذِّبِينَ مَحْجُوبُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَوْلَهُ: {تُكَذِّبُونَ} بِالرُّؤْيَةِ. وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي وَعِيدِ مُنْكِرِي اللِّقَاءِ وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ مُنْكِرَ الرُّؤْيَةِ بِلَا شَكٍّ وَلَا مِرْيَةٍ، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِيهَا سَحَابَةٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِيهِ سَحَابَةٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، فَيَلْقَى الْعَبْدَ فيقول: أي قل أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتُرْفَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فيقول: أي قل أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتُرْفَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: إِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي. ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ وَيُثْنِي بِخَيْرِ مَا استطاع. فيقول: ههنا إِذًا. ثُمَّ يُقَالُ: الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدًا عَلَيْكَ. فَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ مَنِ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ انْطِقِي فَيَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذَرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ، وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ». وَمِنْ تَرَاجِمِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ؛ بَابُ وَعِيدِ مُنْكِرِي الرُّؤْيَةِ، وَالدَّلَالَةُ مِنْهُ وَاضِحَةٌ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي دَارِ الْآخِرَةِ. وَكَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي ثُبُوتِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَحْثُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. ٥٦



٥٧ وجوب الايمان بالصفات الواردة في القران وصحيح السنة واقرارها كما اتت وَكُلُّ مَا لَهُ مِنَ الصِّفَاتِ * أَثْبَتَهَا فِي مُحْكَمِ الْآيَاتِ أَوْ صَحَّ فِي مَا قَالَهُ الرَّسُولُ * فَحَقُّهُ التَّسْلِيمُ وَالْقَبُولُ (وَكُلُّ مَا) ثَبَتَ (لَهُ) أَيْ: لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (مِنَ الصِّفَاتِ) الثَّابِتَةِ الَّتِي (أَثْبَتَهَا) هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِنَفْسِهِ وَأَخْبَرَنَا بِاتِّصَافِهِ بِهَا (فِي مُحْكَمِ الْآيَاتِ) مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمِمَّا لَمْ نَذْكُرْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [الْبَقَرَةِ: 115] ، وَقَوْلِهِ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [الْقَصَصِ: 88] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرَّحْمَنِ: 26-27] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الرُّومِ: 39] ، وَقَوْلِهِ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [اللَّيْلِ: 19] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الْإِنْسَانِ: 9] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الْكَهْفِ: 21] ، وَقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آلِ عِمْرَانَ: 28] ، وَقَوْلِهِ عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [الْمَائِدَةِ: 116] ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطُّورِ: 48] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [الْقَمَرِ: 13] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 57] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [الْمَائِدَةِ: 64] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزُّمَرِ: 67] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [الْأَعْرَافِ: 145] ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [الْمَائِدَةِ: 54] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصَّفِّ: 4] ، وَقَوْلِهِ: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [الْبَقَرَةِ: 205] ، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لُقْمَانَ: 18] ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الْفَتْحِ: 18] ، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: 8] ، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التَّوْبَةِ: 96] ، {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزُّمَرِ: 7] ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الْمَائِدَةِ: 80] ، وَكَقَوْلِهِ: {كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التَّوْبَةِ: 46] ، وَقَوْلِهِ فِي الْيَهُودِ: {غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الْمُمْتَحَنَةِ: 13] ، وَفِي قَاتِلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النِّسَاءِ: 93] ، وَقَوْلِهِ: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه: 81] ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الْأَعْرَافِ: 156] ، وَكَقَوْلِهِ: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غَافِرٍ: 7] ، وَكَقَوْلِهِ: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الْأَنْعَامِ: 54] ، وَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} وَقَوْلِهِ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 159] ، وَكَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} وَقَوْلِهِ عَنْ إِبْلِيسَ: {فَبِعِزَّتِكَ لِأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] ، وَقَوْلِهِ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصْفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصَّافَّاتِ: 180] ، وَكَقَوْلِهِ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النُّورِ: 53] ، الْآيَةَ. وَكَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [الْمَائِدَةِ: 95] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السَّجْدَةِ: 22] ، وَقَوْلِهِ: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 4] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الْحَشْرِ: 23] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَلِكِ النَّاسِ} وَقَوْلِهِ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آلِ عِمْرَانَ: 26-27] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الْأَنْعَامِ: 19] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الْحَدِيدِ: 4] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مَرْيَمَ: 54-56] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الْحِجْرِ: 49-50] ، وَقَوْلِهِ: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غَافِرٍ: 3] ، وَقَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [الْبَقَرَةِ: 245] ، وَقَوْلِهِ: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الْأَنْعَامِ: 110] ، وَقَوْلِهِ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرَّعْدِ: 13] ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، صِفَاتِ ذَاتِهِ تَعَالَى وَأَفْعَالِهِ عَزَّ وَجَلَّ. (أَوْ صَحَّ فِي مَا قَالَهُ الرَّسُولُ) مِنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الصَّحِيحَةِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا مَعَ عَبْدِي حِينَ يُذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَاءَ نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَعَنِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الْأَنْعَامِ: 65] . قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» قَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» قَالَ: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا أَيْسَرُ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَنْ يَحِلَّ بِي غَضَبُكَ أَوْ يَنْزِلَ بِي سُخْطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ» رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي سِيرَتِهِ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ» الْحَدِيثَ تَقَدَّمَ فِي الرُّؤْيَةِ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ مَثَلُ الْقَائِمِ الْمُصَلِّي حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: «إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي فَتَعْمَلَ عَمَلًا تُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ رِفْعَةً وَدَرَجَةً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِهِ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا تَلْتَفِتُوا، فَإِنَّ اللَّهَ يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ إِلَى وَجْهِ عَبْدِهِ» رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ: «أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: «يَقُولُ النَّاسُ لِآدَمَ أَنْتَ آدَمُ أَبُو النَّاسِ: خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ» الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تُغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يُغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَرْضَ وَتَكُونُ السَّمَاوَاتُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. وَتَصْدِيقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودِيَّ الَّذِي قَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ بِيَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْتَحُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْبَاقِي فَيَبْسُطُ يَدَيْهِ فَيَقُولُ: أَلَا عَبْدٌ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ» الْحَدِيثَ تَقَدَّمَتْ أَلْفَاظُهُ فِي إِثْبَاتِ النُّزُولِ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ-وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ- فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ احْتِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى: «فَقَالَ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ» الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ يَدَ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا، وَيَدُ السَّائِلِ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ» رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحِ. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ خَلْقِ آدَمَ: «فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ: اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، قَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي، وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مباركة، ثم يبسطها فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ» الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ سُؤَالِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مَنَازِلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: «قَالَ يَا رَبِّ فَأَخْبِرْنِي بِأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً، قَالَ: هَذَا أَرَدْتَ فَسَوْفَ أُخْبِرُكَ؛ قَالَ: غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا» الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَكْفَأُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ» الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ» الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ» الْحَدِيثَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ خَيْرِهِ» الْحَدِيثَ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ بِالسَّلَاسِلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: «إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ». وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ فِي بَاطِلٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ لَمْ يَزَلْ فِي سُخْطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ». وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا زَوْجُهَا». وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرَائِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ. قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ يَأْكُلُ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ: «بَلِّغُوا قَوْمَنَا عَنَّا أَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا» وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنَ التَّنْزِيلِ الْمَنْسُوخِ تِلَاوَةً وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ سَبْيِ هَوَازِنَ: «اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا» أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَنَزَّلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلَائِقُ حَتَّى تَرْفَعُ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ» أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ: «كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كَمَّلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ». وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَعِزَّتِكَ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِنْ فِيهِنَّ» أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ» لِمُسْلِمٍ وَالْأَرْبَعَةِ عَنْ عَائِشَةَ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هُودٍ: 102] ، أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ لِيَنْسَى شَيْئًا وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا» رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَلِفِهِ: «لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أقامه وإن شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَفِي صَدْرِهِ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ». وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ: «لَا يَزَالُ يُلْقَى فِيهَا-يَعْنِي النَّارَ- وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدَمَهُ فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَدْ قَدْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَطْ قَطْ» بَالطَّاءِ أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ» عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ التَّرْجَمَةِ وَوَصَلَهَا الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ. وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ. وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي التَّرْجَمَةِ السَّابِقَةِ. وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، يَحْتَاجُ اسْتِقْصَاؤُهَا إِلَى بَسْطٍ طَوِيلٍ وَفِيمَا ذَكَرْنَا كفاية، وما أشبهه فَسَبِيلُهُ سَبِيلُهُ. (فَحَقُّهُ التَّسْلِيمُ) لَهُ (وَالْقَبُولُ) الْفَاءُ وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ كُلِّ مَا، فَنَقُولُ فِي ذَلِكَ: مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ حَيْثُ قَالَ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آلِ عِمْرَانَ: 7-8] ، وَلَا نَضْرِبُ كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَنَتَّبِعُ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَعَصَمَنَا مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَفَضْلِهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ. ٥٧

٥٨ اجتناب التحريف والتعطيل والتكييف والتمثيل نُمِرُّهَا صَرِيحَةً كَمَا أَتَتْ * مَعَ اعْتِقَادِنَا لِمَا لَهُ اقْتَضَتْ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلِ * وَغَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلِبَلْ قَوْلُنَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْهُدَى * طُوبَى لِمَنْ بِهَدْيِهِمْ قَدِ اهْتَدَى أَيْ: جَمِيعُ الْآيَاتِ وَالصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا (نُمِرُّهَا صَرِيحَةً) أَيْ: عَلَى ظَوَاهِرِهَا (كَمَا أَتَتْ) عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ مُتَّصِلًا إِلَيْنَا كَالشَّمْسِ فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ، (مَعَ اعْتِقَادِنَا) إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (لِمَا لَهُ اقْتَضَتْ) مِنْ أَسْمَاءِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَصِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ كَمَا يَلِيقُ بِعَظَمَتِهِ وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَأَرَادَهُ (مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ) لِأَلْفَاظِهَا كَمَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النِّسَاءِ: 164] ، أَنَّ التَّكْلِيمَ مِنْ مُوسَى، وَأَنَّ لَفْظَ الْجَلَالِةِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ فِرَارًا مِنْ إِثْبَاتِ الْكَلَامِ كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَقَدْ عُرِضَ ذَلِكَ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا قَرَأَ هَذَا إِلَّا كَافِرٌ، قَرَأْتُ عَلَى الْأَعْمَشِ وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ عَلَى يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَلَى عَلِيِّ ابن أَبِي طَالِبٍ وَقَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} يَعْنِي بِرَفْعِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقُرَّاءِ، رَوَى ذَلِكَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَرَوَى ابْنُ كَثِيرٍ أَنَّ بَعْضَ الْمُعْتَزِلَةِ قَرَأَ عَلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ: {وَكَلَّمَ اللَّهَ مُوسَى تَكْلِيمًا} فقال له: يابن اللَّخْنَاءِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الْأَعْرَافِ: 143] ، يَعْنِي أَنَّ هَذَا لَا يَقْبَلُ التَّحْرِيفَ وَلَا التَّأْوِيلَ. وَكَمَا قَالَ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، حَيْثُ قَالَ: لَوْ وَجَدْتُ سَبِيلًا إِلَى حَكِّهَا لَحَكَكْتُهَا وَلَأَبْدَلْتُهَا اسْتَوْلَى. وَلَهُ فِي ذَلِكَ سَلَفُ الْيَهُودِ فِي تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى لَهُمْ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [الْبَقَرَةِ: 58] ، فَدَخَلُوا يزحفون على أستاهم وَقَالُوا: (حِنْطَةٌ) فَخَالَفُوا مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الدُّخُولِ سُجَّدًا وَبَدَّلُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَكَانَ جَزَاؤُهُمْ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ يَقُولُ: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الْبَقَرَةِ: 59] ، وَجَعَلَهُمُ اللَّهُ عِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ، فمن فعل كمن فَعَلُوا فَسَبِيلُهُ سَبِيلُهُمْ كَمَا مَضَتْ سُنَّةُ اللَّهِ بِذَلِكَ: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} [الْقَمَرِ: 43] وَ (مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ) لِمَعَانِيهَا كَمَا فَعَلَهُ الزَّنَادِقَةُ أَيْضًا كَتَأْوِيلِهِمْ (نَفْسَهُ) تَعَالَى بِالْغَيْرِ، وَأَنَّ إِضَافَتَهَا إِلَيْهِ كَإِضَافَةِ بَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ، فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آلِ عِمْرَانَ: 28] ، أَيْ: غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الْأَنْعَامِ: 54] ، أَيْ: عَلَى غَيْرِهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ عِيسَى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [الْمَائِدَةِ: 116] ، أَيْ: وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي غَيْرِكَ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى لِمُوسَى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41] ، أَرَادَ وَاصْطَنَعْتُكَ لِغَيْرِي، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ بَلْ وَلَا يَتَوَهَّمُهُ وَلَا يَقُولُهُ إِلَّا كَافِرٌ. وَكَتَأْوِيلِهِمْ (وَجْهَهُ) تَعَالَى بِالنَّفْسِ مَعَ جُحُودِهِمْ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَانْظُرْ لِتَنَاقُضِهِمُ الْبَيِّنِ، وَهَذَا يَكْفِي حِكَايَتُهُ عَنْ رَدِّهِ. أَمَّا مَنْ أَثْبَتَ النَّفْسَ وَأَوَّلَ الْوَجْهَ بِذَلِكَ فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرَّحْمَنِ: 27] ، فذكر الوجه مرفرعا عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَلَفْظُ رَبِّ مَجْرُورٌ بِالْإِضَافَةِ، وَذَكَرَ ذُو مَرْفُوعًا بالتبعية نعتا لوجه، فَلَوْ كَانَ الْوَجْهُ هُوَ الذَّاتَ لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} بِالْيَاءِ لَا بِالْوَاوِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرَّحْمَنِ: 78] ، فَخَفَضَهَ لَمَّا كَانَ صِفَةً لِلرَّبِّ فَلَمَّا كَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى بِالرَّفْعِ إِجْمَاعًا تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَجْهَ صِفَةٌ لِلذَّاتِ لَيْسَ هُوَ الذَّاتَ وَلَمَّا رَأَى آخَرُونَ مِنْهُمْ فَسَادَ تَأْوِيلِهِمْ بِالذَّاتِ أَوِ الْغَيْرِ لَجَئُوا إِلَى طَاغُوتِ الْمَجَازِ فَعَدَلُوا إِلَى تَأْوِيلِهِ بِهِ أَوْلَى وَأَنَّهُ كَمَا يُقَالُ: (وَجْهُ الْكَلَامِ) وَ (وَجْهُ الدَّارِ) وَ (وَجْهُ الثَّوْبِ) وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَتَكَلَّفُوا الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ التَّكَلُّفِ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ فَوَقَعُوا فِيمَا فَرُّوا مِنْهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ الثَّوْبُ وَالدَّارُ وَالْكَلَامُ مَخْلُوقَاتٍ كُلَّهَا وَقَدْ شَبَّهْتَمْ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ؟ فَأَيْنَ الْفِكَاكُ وَالْخَلَاصُ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [فُصِّلَتْ: 23] ، وَكَمَا أَوَّلُوا الْيَدَ بِالنِّعْمَةِ وَاسْتَشْهَدُوا بِقَوْلِ الْعَرَبِ: (لَكَ يَدٌ عِنْدِي) أَيْ: نِعْمَةٌ، فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [الْمَائِدَةِ: 64] ، يَعْنِي: نِعْمَتَاهُ، فَلَمْ يُثْبِتُوا لِلَّهِ إِلَّا نِعْمَتَيْنِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لُقْمَانَ: 20] ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] ، أَرَادَ، بِنِعْمَتِي فَأَيُّ فَضِيلَةٍ لِآدَمَ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ؟ وَهَلْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يَخْلُقْهُ اللَّهُ بِنِعْمَتِهِ؟ وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزُّمَرِ: 67] ، أَرَادَ مَطْوِيَّاتٌ بِنِعْمَتِهِ، فَهَلْ يَقُولُ هَذَا عَاقِلٌ؟ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: (بِقُوَّتِهِ) اسْتِشْهَادًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذَّارِيَاتِ: 147] ، أَيْ: بِقُوَّةٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ كُلُّ مَخْلُوقٍ خَلَقَهُ اللَّهُ بِقُوَّةٍ؟ فَعَلَى هَذَا مَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وَأَيُّ فَضْلٍ لِآدَمَ عَلَى إِبْلِيسَ إِذْ كُلٌّ مِنْهُمَا خَلَقَهُ اللَّهُ بِقُوَّتِهِ؟ ومعنى قَوْلِهِ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: (لَا أَجْعَلُ صَالِحَ ذَرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْتُ بِيَدَيَّ كَمَنْ قُلْتُ لَهُ كُنْ فَكَانَ). أَفَلَمْ يَخْلُقِ الْمَلَائِكَةَ بِقُوَّتِهِ، وَأَيُّ فَضْلٍ لِآدَمَ عَلَيْهِمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ الَّتِي هِيَ صِفَتُهُ، نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. ٥٨
. ٥٩ عدول اهل التاويل عن الف دليل وتمسكهم بما ينسب الى الاخطل النصراني في الاستواء وَكَمَا تَأَوَّلُوا الِاسْتِوَاءَ بِالِاسْتِيلَاءِ وَاسْتَشْهَدُوا بِبَيْتٍ مَجْهُولٍ مَرْوِيٍّ عَلَى خِلَافِ وَجْهِهِ وَهُوَ مَا يُنْسَبُ إِلَى الْأَخْطَلِ: قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ * مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقِ فَعَدَلُوا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دَلِيلٍ مِنَ التَّنْزِيلِ إِلَى بَيْتٍ يُنْسَبُ إِلَى بَعْضِ الْعُلُوجِ لَيْسَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَا عَلَى لُغَةِ الْعَرَبِ، فَطَفِقَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ يُفَسِّرُونَ بِهِ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَحْمِلُونَهُ عَلَيْهِ، مَعَ إِنْكَارِ عَامَّةِ أَهْلِ اللُّغَةِ لِذَلِكَ وَأَنَّ الِاسْتِوَاءَ لَا يَكُونُ بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الْبَتَّةَ. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي زَمَانِهِ فَقَالَ: الْعَرَبُ لَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ اسْتَوْلَى عَلَى الشَّيْءِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ فِيهِ مُضَادٌّ، فَأَيُّهُمَا غَلَبَ قِيلَ اسْتَوْلَى، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا مغالب له. . وَقَدْ فَسَّرَ السَّلَفُ الِاسْتِوَاءَ بِعِدَّةِ مَعَانٍ بِحَسَبِ أَدَاتِهِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهِ، وَبِحَسَبِ تَجْرِيدِهِ عَنِ الْأَدَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ حَتَّى انْتَحَلَ ذَلِكَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ لَا بِاشْتِقَاقٍ صَغِيرٍ وَلَا كَبِيرٍ، بَلْ بِاسْتِنْبَاطٍ مُخْتَلَقٍ وَافَقَ الْهَوَى الْمُتَّبَعَ. وَقَدْ بَسَطَ الْقَوْلَ فِي رَدِّ ذَلِكَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الصَّوَاعِقِ وَبَيَّنَ بُطْلَانَهُ مِنْ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ وَجْهًا فَلْيُرَاجَعْ. وَكَمَا أَوَّلُوا أَحَادِيثَ النُّزُولِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا بِأَنَّهُ يَنْزِلُ أَمْرُهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى نَازِلًا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ؟ فَمَاذَا يَخُصُّ السَّحَرَ بِذَلِكَ؟ وَقَالَ آخَرُونَ: يَنْزِلُ مَلَكٌ بِأَمْرِهِ، فَنَسَبَ النُّزُولَ إِلَيْهِ تَعَالَى مَجَازًا. فَيُقَالُ لَهُمْ: فَهَلْ يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يرسل من يدعي رُبُوبِيَّتَهُ، وَهَلْ يُمْكِنُ لِلْمَلِكِ أَنْ يَقُولَ: «لَا أَسْأَلُ عَنْ عِبَادِي غَيْرِي مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» وَهَلْ قَصُرَتْ عِبَارَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يَقُولَ يَنْزِلُ مَلَكٌ بِأَمْرِ اللَّهِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لَكُمْ كَذَا أَوْ أَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ لَكُمْ كَذَا حَتَّى جَاءَ بِلَفْظٍ مُجْمَلٍ يُوهِمُ بِزَعْمِكُمْ رُبُوبِيَّةَ الْمَلَكِ. لَقَدْ ظَنَنْتُمْ بِاللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا. وَكَمَا أَوَّلُوا الْمَجِيءَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَجَازِ فَقَالُوا يَجِيءُ أَمْرُهُ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} [النَّحْلِ: 33] ، فَقَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} [الْبَقَرَةِ: 210] ، فَقَالُوا: هُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ، وَالتَّقْدِيرُ يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ قَدِ اتَّضَحَ ذَلِكَ غَايَةَ الِاتِّضَاحِ أَنَّ مَجِيءَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُ مَجِيءِ أَمْرِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَأَنَّهُ يَجِيءُ حَقِيقَةً، وَمَجِيءُ أَمْرِهِ حَقِيقَةٌ، وَمَجِيءُ مَلَائِكَتِهِ حَقِيقَةٌ، وَقَدْ فَصَلَ تَعَالَى ذَلِكَ وَقَسَّمَهُ وَنَوَّعَهُ تَنْوِيعًا يَمْتَنِعُ مَعَهُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ، فَذَكَرَ تَعَالَى فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ مَجِيئَهُ وَمَجِيءَ الْمَلَائِكَةِ، وَكَذَا فِي آيَةٍ الْفَجْرِ، وَذَكَرَ فِي النَّحْلِ مَجِيءَ مَلَائِكَتِهِ وَمَجِيءَ أَمْرِهِ، وَذَكَرَ فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ إِتْيَانَهُ وَإِتْيَانَ مَلَائِكَتِهِ وَإِتْيَانَ بَعْضِ آيَاتِهِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَمْرِهِ. ثُمَّ يُقَالُ: مَا الَّذِي يَخُصُّ إِتْيَانَ أَمْرِهِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ أَلَيْسَ أَمْرُهُ آتِيًا فِي كُلِّ وَقْتٍ، مُتَنَزِّلًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِتَدْبِيرِ أُمُورِ خَلْقِهِ فِي كُلِّ نَفَسٍ وَلَحْظَةٍ: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرَّحْمَنِ: 29] ، وَتَأَوَّلُوا النَّظَرَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بِالِانْتِظَارِ قَالُوا: إِنَّهُ كَقَوْلِهِ: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الْحَدِيدِ: 13] ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ تَعَدَّى بِنَفْسِهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَدَاةٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {انْظُرُونَا} أَلَمْ يُضِفِ اللَّهُ تَعَالَى النَّظَرَ إِلَى الْوُجُوهِ الَّتِي فِيهَا الْإِبْصَارُ، وَيُعَدِّهِ بِإِلَى الَّتِي تُفِيدُ الْمُعَايَنَةَ بِالْبَصَرِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ اللُّغَةِ {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} أَوَلَمْ يُفَسِّرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرُّؤْيَةِ الْجَلِيَّةِ عِيَانًا بِالْأَبْصَارِ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ حَدِيثًا صَحِيحًا، حَتَّى شَبَّهَ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ بِرُؤْيَتِنَا الشَّمْسَ صَحْوًا لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ، تَشْبِيهًا لِلرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ، لَا لِلْمَرْئِيِّ بِالْمَرْئِيِّ، وَلَمْ يَزَلِ الصَّحَابَةُ مُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ، وَيُحَدِّثُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَيَنْقُلُهُ التَّابِعُونَ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَهَلُمَّ جَرًّا. فَنَحْنُ أَخَذْنَا دِينَنَا عَنْ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ عَنِ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْتُمْ عَمَّنْ أَخَذْتُمْ؟ وَمِنْ شُبُهَاتِهِمْ فِي نَفْيِ الرُّؤْيَةِ اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الْأَنْعَامِ: 113] ، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا عَنِ الصَّحَابَةِ تَفْسِيرَانِ: أَوَّلُهُمَا لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَبِذَلِكَ نَفَتْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ. ثَانِيهُمَا تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {لَا تُدْرِكُهُ} أَيْ: لَا تُحِيطُ بِهِ، فَالنَّفْيُ لِلْإِحَاطَةِ لَا لِلرُّؤْيَةِ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيَ الرُّؤْيَةِ فِي الْآخِرَةِ، فَهَذَا تَفْسِيرُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ الْكِتَابِ هَلْ بَيْنَهُمْ مِنْ أَحَدٍ فَسَّرَ الْآيَةَ بِمَا افْتَرَيْتُمُوهُ؟ وَمِنْ إِفْكِهِمُ ادِّعَاؤُهُمْ مَعْنَى التأبيد في النفي {لَنْ تَرَانِي} [الْأَعْرَافِ: 143] ، حَتَّى كَذَبُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا مُخْتَلَقًا لَفْظُهُ: لَنْ تَرَانِي فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ. وَهُوَ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ: إِنَّ نَفْيَ (لَنْ) لِلتَّأْبِيدِ مُطْلَقًا إِلَّا الزَّمَخْشَرِيُّ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، قَالَ ذَلِكَ تَرْوِيجًا لِمَذْهَبِهِ فِي الِاعْتِزَالِ، وَجُحُودِ صِفَاتِ الْخَالِقِ جَلَّ وَعَلَا، وَقَدْ رَدَّهُ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ كَابْنِ كَثِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَرَدَّهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي الْكَافِيَةِ حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ يَرَى النَّفْيَ بِلَنْ مُؤَبَّدًا * فَقَوْلَهُ ارْدُدْ وَسِوَاهُ فَاعْضُدَا وَالْقَائِلُ لِمُوسَى {لَنْ تَرَانِي} هُوَ الْمُتَجَلِّي لِلْجَبَلِ حَتَّى انْدَكَّ، وَهُوَ الَّذِي وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ {الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} وَهُوَ الَّذِي قَالَ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّ قوله لموسى عليه السلام: {لَنْ تَرَانِي} إِنَّمَا أَرَادَ عَدَمَ اسْتِطَاعَتِهِ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الدَّارِ لِضَعْفِ الْقُوَى الْبَشَرِيَّةِ فِيهَا عَنْ ذَلِكَ كَمَا قَرَّرَ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ جَلَّ جَلَالُهُ: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الْأَعْرَافِ: 143] ، الْآيَةَ. فَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْجَبَلُ لِتَجَلِّي اللَّهِ تَعَالَى فَكَيْفَ يَثْبُتُ مُوسَى لِذَلِكَ وَهُوَ بَشَرٌ خُلِقَ مِنْ ضَعْفٍ؟ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَيَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوْلِيَائِهِ قُوَّةً مُسْتَعِدَّةً لِلنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَأْتَلِفُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا مَنِ اتَّبِعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، وَنَصَبَ الْخِصَامَ أَوِ الْجِدَالَ وَالْمُعَارَضَةَ بَيْنَ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَاتَّبَعَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَضَرَبَ كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَآمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ وَشَاقَّ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ؟ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَجَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ. وَلَا يَتَأَتَّى لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مُرَادُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ لَهُ تَأْوِيلُهُ إِلَّا بِدَفْعِ النُّصُوصِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لَا مَحَالَةَ وَلَا بُدَّ، فَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا لَا يُكَذِّبُهُ كَمَا هُوَ مُصَدِّقٌ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنٌ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُبَيِّنُ الْكِتَابَ وَتُوَضِّحُهُ وَتُفَسِّرُهُ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُرْشِدُ إِلَيْهِ. وَلَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ وَلَا يَرْتَابُ فِيهِ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ، وَأَدْلَى بِشُبُهَاتِهِ لِغَرَضِ شَهَوَاتِهِ: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [الْبُرُوجِ: 19-20] ، وَهَذَا دَأْبُهُمْ فِي جَمِيعِ نُصُوصِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذِهِ الْجُمْلَةَ مِثَالًا وَتَنْبِيهًا عَلَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ. فَمَنْ عُوفِيَ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هدانا الله. (ولا تعطيل) أَيْ: لِلنُّصُوصِ بِنَفْيِ مَا اقْتَضَتْهُ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَنُعُوتِ جَلَالِهِ فَإِنَّ نَفْيَ ذَلِكَ مِنْ لَازِمِهِ نَفْيُ الذَّاتِ وَوَصْفُهُ بِالْعَدَمِ الْمَحْضِ، إِذْ مَا لَا يُوصَفُ بِصِفَةٍ هُوَ الْعَدَمُ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَلِهَذَا قَالَ السَّلَفُ الصَّالِحُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَهْمِيَّةِ: إِنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ يُعْبَدُ وَذَلِكَ لِجُحُودِهِمْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهَا رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ التَّكْذِيبَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالِافْتِرَاءَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهِمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الزُّمَرِ: 32-35] . (وَغَيْرِ تَكْيِيفٍ) تَفْسِيرٍ لَكِنَّهُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ رَبِّنَا تَعَالَى كَأَنْ يُقَالَ اسْتَوَى عَلَى هَيْئَةِ كَذَا، أَوْ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ بِصِفَةِ كَذَا، أَوْ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ عَلَى كَيْفِيَّةِ كَذَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَالِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاعْتِقَادِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَطْلُوبًا مِنَ الْعِبَادِ فِي الشَّرِيعَةِ لَبَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَدَعْ مَا بِالْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ حَاجَةٌ إِلَّا بَيَّنَهُ وَوَضَّحَهُ، وَالْعِبَادُ لَا يَعْلَمُونَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا مَا عَلَّمَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [الْبَقَرَةِ: 255] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [البقرة: 110] ، فَلْيُؤْمِنِ الْعَبْدُ بِمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلْيَقِفْ مَعَهُ كَهَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِيُمْسِكْ عَمَّا جَهِلَهُ وَلِيَكِلْ مَعْنَاهُ إِلَى عَالِمِهِ كَكَيْفِيَّتِهَا {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الْحَشْرِ: 7] (وَلَا تَمْثِيلِ) أَيْ: وَمِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ لِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ، فَكَمَا أَنَّا نُثْبِتُ لَهُ ذَاتًا لَا تُشْبِهُ الذَّوَاتِ فَكَذَلِكَ نُثْبِتُ لَهُ مَا أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَنَعْتَقِدُ تَنَزُّهَهُ وَتُقَدَّسَهُ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشُّورَى: 11] ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، هُوَ أَقْبَحَ الْمُحَرَّمَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الْأَعْرَافِ: 33] ، فَكَيْفَ بِالْقَوْلِ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ فِي إِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ تَشْبِيهِ خَلْقِهِ بِهِ أَوْ تَشْبِيهِهِ لِخَلْقِهِ فِي اتِّخَاذِ الْأَنْدَادِ مَعَهُ وَصَرْفِ الْعِبَادَةِ لَهُمْ، وَإِنَّ اعْتِقَادَ تَصَرُّفِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ مَلَكُوتِهِ تَشْبِيهٌ لِلْمَخْلُوقِ بِالْخَالِقِ، كَمَا أَنَّ تَمْثِيلَ صِفَاتِهِ تَعَالَى بِصِفَاتِ خَلْقِهِ تَشْبِيهٌ لِلْخَالِقِ بِالْمَخْلُوقِ، وَكِلَا التَّشْبِيهَيْنِ كُفْرٌ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَقْبَحَ الْكُفْرِ، وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي كِتَابِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مَرْيَمَ: 65] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وَقَالَ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النَّحْلِ: 60] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النَّحْلِ: 74] ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ بَلْ جَمِيعُ الْقُرْآنِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، بَلْ لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ تَعَالَى رُسُلَهُ وَلَمْ يُنَزِّلْ كُتُبَهُ إِلَّا بِذَلِكَ: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الْأَحْزَابِ: 4] (بَلْ قَوْلُنَا) الَّذِي نَقُولُهُ وَنَعْتَقِدُهُ وَنَدِينُ اللَّهَ بِهِ هُوَ (قَوْلُ أَئِمَّةِ الْهُدَى) مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ وَأَصْحَابِ الْأُمَّهَاتِ السِّتِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا الَّذِينَ قَضَوْا بِالْحَقِّ وَبِهِ كَانُوا يَعْدِلُونَ، وَهُوَ إِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَبِلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَعْطِيلٍ. وَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ إِلَى أَذْهَانِ الْمُشَبِّهِينَ مَنْفِيٌّ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، بَلِ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْأَئِمَّةُ تَفْسِيرُهَا قِرَاءَتُهَا، وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الْخُزَاعِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ جَحَدَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ، وَلَيْسَ فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا رَسُولُهُ تَشْبِيهٌ، فَمَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ تَعَالَى مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ مِمَّا وَرَدَتْ بِهِ الْآيَاتُ الصَّرِيحَةُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ، وَنَفَى عَنِ اللَّهِ النَّقَائِضَ فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ الْهُدَى. وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِمَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ، وَآمَنَّا بِرَسُولِ اللَّهِ وَبِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى مُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ أَيْضًا رَحِمَهُ اللَّهُ: لِلَّهِ تَعَالَى أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ وَأَخْبَرَ بِهَا نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ لا يسع أحد مِنْ خَلْقِ اللَّهِ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ رَدُّهَا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِهَا وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَوْلُ بِهَا فِيمَا رَوَى عَنْهُ الْعُدُولُ فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِرٌ، أَمَّا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فَمَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ؛ لِأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَلَا بِالرُّؤْيَةِ وَالْفِكْرِ وَلَا يَكْفُرُ بِالْجَهْلِ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْخَبَرِ إِلَيْهِ بِهَا وَتُثْبَتُ هَذِهِ الصِّفَاتُ وَيَنْفِي عَنْهَا التَّشْبِيهَ كَمَا نَفَى التَّشْبِيهَ عَنْ نَفْسِهِ تَعَالَى فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي ذَاتِهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، قَدْ أَجْمَلَ اللَّهُ الصِّفَةَ فَحَدَّ لِنَفْسِهِ صِفَةً: لَيْسَ يُشْبِهُهُ شَيْءٌ. وَصِفَاتُهُ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ وَلَا مَعْلُومَةٍ إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ. قَالَ فَهُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ بِلَا حَدٍّ وَلَا تَقْدِيرٍ، وَلَا يَبْلُغُ الْوَاصِفُونَ صِفَتَهُ، وَلَا نَتَعَدَّى الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ، فَنَقُولُ كَمَا قَالَ وَنَصِفُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا نَتَعَدَّى ذَلِكَ وَلَا يَبْلُغُ صِفَتَهُ الْوَاصِفُونَ، نُؤْمِنُ بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ مُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ وَلَا نُزِيلُ عَنْهُ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ بِشَنَاعَةٍ شَنُعَتْ. وَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ كَلَامٍ وَنُزُولٍ وَخَلْوَةٍ بِعَبْدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَضْعِهِ كَنَفَهُ عَلَيْهِ، فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَالتَّحْدِيدُ فِي هَذَا كُلِّهِ بِدْعَةٌ، وَالتَّسْلِيمُ فِيهِ بِغَيْرِ صِفَةٍ وَلَا حَدٍّ إِلَّا مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ: سَمِيعٌ بَصِيرٌ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا، عَالِمًا غَفُورًا عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ عَلَّامَ الْغُيُوبِ. فَهَذِهِ صِفَاتٌ وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ لَا تُدْفَعُ وَلَا تُرَدُّ، وَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ بِلَا حَدٍّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} كَيْفَ شَاءَ الْمَشِيئَةَ إِلَيْهِ وَالِاسْتِطَاعَةَ إِلَيْهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ بِلَا حَدٍّ وَلَا تَقْدِيرٍ، لَا نَتَعَدَّى الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُشَبِّهَةُ. قُلْتُ لَهُ: وَالْمُشَبِّهُ مَا يَقُولُ؟ قَالَ مَنْ قَالَ بَصَرٌ كَبَصَرِي، وَيَدٌ كَيَدِي، وَقَدَمٌ كَقَدَمِي فَقَدْ شَبَّهَ اللَّهَ تعالى بخلقه. وَكَلَامُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ يَطُولُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْهُ فِي الِاسْتِوَاءِ وَالْكَلَامِ وَالنُّزُولِ وَالرُّؤْيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (طُوبَى لِمَنْ بِهَدْيِهِمْ قَدِ اهْتَدَى) إِذْ هُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ وَأَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ وَأَوْلَاهُمْ بِاتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاقْتِفَاءِ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِمْ حَفِظَ اللَّهُ الدِّينَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ وَأَلْحَقَنَا بِهِمْ سَالِمِينَ غَيْرَ مَفْتُونِينَ إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ. ٥٩ .

٦٠ هذا النوع من التوحيد هو توحيد الاثبات وَسَمِّ ذَا النَّوْعَ مِنَ التَّوْحِيدِ * تَوْحِيدَ إثبات بلا تردد قَدْ أَفْصَحَ الْوَحْيُ الْمُبِينُ عَنْهُ * فَالْتَمَسِ الْهُدَى الْمُنِيرَ مِنْهُ (وَسَمِّ ذَا النَّوْعَ) وَالْإِشَارَةُ بِذَا إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ (إِثْبَاتُ ذَاتِ الرَّبِّ) إِلَى هُنَا وَمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ (مِنْ) نَوْعَيِ (التَّوْحِيدِ) الْمُشَارِ إِلَيْهِمَا بِقَوْلِ: وَهُوَ نَوْعَانِ (تَوْحِيدُ إِثْبَاتٍ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى إِثْبَاتِ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ مِنْ مَعَانِي رُبُوبِيَّتِهِ وَمُقْتَضَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَنَفْيِ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ كَمَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَنُؤْمِنُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ بِلَا تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ، وَنَنْفِي عَنْهُ مَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ وَأَصْدَقُ قِيلًا وَأَبْيَنُ دَلِيلًا مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ عَكَسَ الزَّنَادِقَةُ الْأَمْرَ فَنَفَوْا عَنْهُ مَا أَثْبَتَهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى، وَأَثْبَتُوا لَهُ مَا نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْهُ مِنْ أَضْدَادِ مَا تَقْتَضِي أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ، وَكَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ، وَبَدَّلُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ. فَائِدَةٌ:قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ قَالُوا مُقَالَةً مُوَلَّدَةً مَا عَلِمْتُ أَحَدًا سَبَقَهُمْ بِهَا قَالُوا: هَذِهِ الصِّفَاتُ تَمُرُّ كَمَا جَاءَتْ وَلَا تُؤَوَّلُ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ. فَتَفَرَّعَ مِنْ هَذَا أَنَّ الظَّاهِرَ يُعْنَى بِهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا تَأْوِيلَ لَهَا غَيْرُ دَلَالَةِ الْخِطَابِ كَمَا قَالَ السَّلَفُ الصَّالِحُ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ. وَكَمَا قَالَ سُفْيَانُ وَغَيْرُهُ: قِرَاءَتُهَا تَفْسِيرُهَا، يَعْنِي أَنَّهَا بَيِّنَةٌ وَاضِحَةٌ فِي اللُّغَةِ لَا يُبْتَغَى بِهَا مَضَايِقُ التَّأْوِيلِ وَالتَّحْرِيفِ، وَهَذَا هُوَ مَبْدَأُ السَّلَفِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَيْضًا أَنَّهَا لَا تُشْبِهُ صِفَاتِ الْبَشَرِ بِوَجْهٍ، إِذِ الْبَارِي لَا مِثْلَ لَهُ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ. الثَّانِي أَنَّ ظَاهِرَهَا هُوَ الَّذِي يَتَشَكَّلُ فِي الْخَيَالِ مِنَ الصِّفَةِ كَمَا يَتَشَكَّلُ فِي الذِّهْنِ مِنْ وَصْفِ الْبَشَرِ، فَهَذَا غَيْرُ، مُرَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرْدٌ صَمَدٌ لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ صِفَاتُهُ فَإِنَّهَا حَقٌّ، وَلَكِنْ مَا لَهَا مِثْلٌ وَلَا نَظِيرٌ، فَمَنْ ذَا الَّذِي عَايَنَهُ وَنَعَتَهُ لَنَا، وَمَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَ لَنَا كَيْفَ سَمِعَ مُوسَى كَلَامَهُ؟ وَاللَّهِ إِنَّا لَعَاجِزُونَ كَالُّونَ حَائِرُونَ بَاهِتُونَ فِي حَدِّ الرُّوحِ الَّتِي فِينَا وَكَيْفَ تَعْرُجُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى بَارِئِهَا، وَكَيْفَ يُرْسِلُهَا، وَكَيْفَ تَسْتَقِلُّ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَيْفَ حَيَاةُ الشَّهِيدِ الْمَرْزُوقِ عِنْدَ رَبِّهِ بَعْدَ قَتْلِهِ، وَكَيْفَ حَيَاةُ النَّبِيِّينَ الْآنَ، وَكَيْفَ شَاهَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَاهُ مُوسَى يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ قَائِمًا، ثُمَّ رَآهُ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ وَحَاوَرَهُ وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِمُرَاجَعَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَطَلَبِ التَّخْفِيفِ مِنْهُ عَلَى أُمَّتِهِ، وَكَيْفَ نَاظَرَ مُوسَى أَبَاهُ آدَمَ وَحَجَّهُ آدَمُ بِالْقَدَرِ السَّابِقِ وَبِأَنَّ اللَّوْمَ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَقَبُولِهَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ نَعْجِزُ عَنْ وَصْفِ هَيْئَتِنَا فِي الْجَنَّةِ وَوَصْفِ الْحُورِ الْعِينِ، فَكَيْفَ بِنَا إِذَا انْتَقَلْنَا إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَذَوَاتِهِمْ وَكَيْفِيَّتِهَا وَأَنَّ بَعْضَهُمْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَلْتَقِمَ الدُّنْيَا فِي لُقْمَةٍ مَعَ رَوْنَقِهِمْ وَحُسْنِهِمْ وَصَفَاءِ جَوْهَرِهِمُ النُّورَانِيِّ، فَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْظَمُ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَالْكَمَالُ الْمُطْلَقُ وَلَا مِثْلَ لَهُ أَصْلًا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 52] ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ. قُلْتُ قَوْلُهُ: مَنْ ذَا الَّذِي عَايَنَهُ فَنَعَتَهُ، هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ تَعَالَى فِي الْجَنَّةِ عِيَانًا بِأَبْصَارِهِمْ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ نَعْتَهُ تَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: مَنْ ذَا الَّذِي أَحَاطَ بِهِ عِلْمًا فَنَعَتَهُ، وَقَوْلُهُ الثَّانِي أَنَّ ظَاهِرَهَا الَّذِي يَتَشَكَّلُ فِي الْخَيَالِ الْخَ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا التَّصَوُّرَ الْفَاسِدَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ جَهَلَةُ النُّفَاةِ عَلَى مَا صَنَعُوا مِنَ النَّفْيِ حِينَ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْ ظَاهِرِهَا إِلَّا مَا يَقُومُ بِالْمَخْلُوقِ وَلَمْ يَتَدَبَّرُوا مَنْ هُوَ الْمَوْصُوفُ فَأَسَاءُوا الظَّنَّ بِالْوَحْيِ، ثُمَّ قَاسُوا وَشَبَّهُوا بَعْدَ أَنْ فَكَّرُوا وَقَدَّرُوا ثُمَّ نَفَوْا وَعَطَّلُوا، فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ. (قَدْ أَفْصَحَ الْوَحْيُ الْمُبِينُ) مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَذَلِكَ الصُّحُفُ الْأُولَى عَنْهُ (غَايَةَ الْإِفْصَاحِ) وَشَرَحَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَكْثَرَ مِنْ شَرْحِ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ لِعِظَمِ شَأْنِ مُتَعَلِّقِهِ، (فَالْتَمِسْ) اطْلُبْ (الْهُدَى الْمُنِيرَ) أَيْ: مِنَ الْوَحْيِ الْمُبِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إِلَّا مِنْهُ، وَمَنْ خَرَجَ عَنِ الْوَحْيِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ضَلَّ وَغَوَى وَلَا بُدَّ، فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِلَّا مَا عَلَّمَنَا هُوَ، فَنُصَدِّقُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَخْبَرَتْ بِهِ رُسُلُهُ عَنْهُ كَمَا نَنْقَادُ وَنُسَلِّمُ وَنَمْتَثِلُ لِمَا أَمَرَ، وَنَجْتَنِبُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ، بَلْ إِنَّ تَأْوِيلَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَخَفُّ جُرْمًا مِنْ تَأْوِيلِ مَعَانِي الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالتَّكْذِيبَ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ دُونَ التَّكْذِيبِ بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى وَأَخْبَرَتْ عَنْهُ بِهِ رُسُلُهُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ جُرْمَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَظِيمٌ. أَعَاذَنَا اللَّهُ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ، آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. لَا تَتَّبِعْ أَقْوَالَ كُلِّ مَارِدِ * غاو مضل ما رق مُعَانِدِ فَلَيْسَ بَعْدَ رَدِّ ذَا التِّبْيَانِ * مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ (لَا تَتَّبِعْ) أَيُّهَا الْعَبْدُ (أَقْوَالَ كُلِّ مَارِدٍ) عَلَى بِدْعَتِهِ وَزَنْدَقَتِهِ وَاتِّبَاعِ هَوَاهُ، (غَاوٍ) زَائِغٍ فِي دِينِهِ مَفْتُونٍ فِي عَقِيدَتِهِ (مُضِلٍّ) لِغَيْرِهِ (مَارِقٍ) مِنَ الْإِسْلَامِ (مُعَانِدٍ) لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ. مُكَذِّبٍ بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِهِ رُسُلَهُ، (فَلَيْسَ) لِلَّهِ يَبْقَى (بَعْدَ رَدِّ ذَا التِّبْيَانِ) الَّذِي جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَةِ الصَّرِيحَةِ وَالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ الصَّحِيحَةِ (مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ) فِي قَلْبِ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْحَقُّ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يُونُسَ: 32] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} [الْأَنْعَامِ: 56] ، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ} [غَافِرٍ: 4] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [فُصِّلَتْ: 40] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} [النَّمْلِ: 83-85] ، وَهَذِهِ الْآيَاتُ يَدْخُلُ فِيهَا كُلُّ مُكَذِّبٍ بِأَيِّ شَيْءٍ مِنَ الْكِتَابِ، فَكَيْفَ إِذَا كَذَّبَ بِصِفَاتِ مُنَزِّلِ الْكِتَابِ، بَلْ جَحَدَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى تَكَلَّمَ بِالْكِتَابِ، أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. ٦٠


الشيخ منصور السالمي
اللهم اجعلنا ممن يدخلون الجنة بغير حساب ولا سابق عذاب
m.facebook.com
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1952954124838385&id=641416755992135&sfnsn=scwspwa&extid=RjejWnfuci7F016R&d=w&vh=e اسمع هذا الفيديو المس مثلث التشغيل
٧:٤٨ م